في يوم حزين وأجواء كئيبة امتزجت فيها حرقة الوداع ولوعة الاشتياق، مع الدموع والتكبيرات والدعاء بالرحمة لروح فقيد مصر والوطن العربي، الشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم الذي رحل أمس عن عمر ناهز 84 عاما صارع فيها قساوة الدنيا ومراراتها، كما صارع أنظمة الحكم المستبدة بأنامله وكلماته التي كانت لسان حال المضطهد من طغيان واستبداد السلطة . فقدت مصر شاعر الشعب أحمد فؤاد نجم بعد رحلة طويلة من العطاء، حيث مثل أحد أهم الظواهر الشعرية السياسية وأحد أبرز شعراء العامية، “الفاجومي” الظاهرة الإنسانية الغريبة التي أبهرت كل من قابلها، وكما ظل متمسكا بجذوره والبيئة الفقيرة المهمشة التي ترعرع وكبر فيها، خرج جثمانه من مسجد الحسين بمنطقة الأزهر مباشرة بعد رفع شعائر صلاة الظهر، وهي من أشهر المناطق الشعبية بالقاهرة، بحضور لفيف من السياسيين والإعلاميين والمحبين لشعره، في غياب نجوم الفن والسينما، وكان من أبرز المشيعين لفقيد الشعر الشعبي حمدين صباحي وخالد علي المرشحين السابقين لانتخابات الرئاسة، والشاعر عبد الرحمن يوسف نجل الشيخ يوسف القرضاوي، والإعلاميتان بثينة كامل وريم ماجد، وكريمتاه الناشطة السياسية المعروفة نوارة وزينب، وسط حزن شديد. وتم تشييع الفقيد في جو مهيب إلى مثواه الأخير في مقابر الغفير بمنطقة السيدة زينب، وتعهد عدد من الثوار والنشطاء السياسيين الذين حضروا جنازة الفاجومي المعروف بنقده اللاذع للحكومات المصرية المتعاقبة، باستمرار ترديد أشعار وأغاني نجم الذي كان سندا ودعما حقيقيا لهم. وأكدت مصادر مقربة من عائلة الفقيد ل “الخبر”، أن الفاجومي استيقظ كعادته في الصباح الباكر وطلب من زوجته أن تحضر له الماء، فلما سقته قال لها “خلاص أنا هاموت”، فردت عليه مبتسمة “أنت في كل مرة بتقول نفس الشيء وما بيحصلش”، فقال “هذي المرة خلاص بجد”، وكانت تلك آخر كلمات يتلفظها “الفاجومي” الذي غادر الحياة، حاملا في قلبه حب مصر التي تمنى طويلا أن تعود إلى الريادة والقيادة، والجزائر التي له فيها ذكريات شبابه وحبه وولعه بنضال رجالها.