تعديل الدستور لم يعد واردا قبل الرئاسيات لأن الوقت أصبح غير كاف لتمريره باستفتاء، والواقع السياسي الجديد لم يعد يقبل تمريره بواسطة البرلمان كما حدث سنة 2009.! للأسباب التالية: أولا: الترتيبات السياسية والإدارية والتنظيمية التي أجراها الرئيس بوتفليقة على الداخلية والعدل والمجلس الدستوري والحكومة والتغييرات التي أحدثها في الجيش لم تغير كل هذه الإجراءات من خاريطة التأثير التقليدي على مجريات الأمور عند الجهة التي كانت منذ 50 سنة صاحبة الحق الإلهي في تعيين الرؤساء. ثانيا: العمليات الجراحية التي أجراها الرئيس على الأحزاب الأساسية التي تعتمد عليها السلطة الفعلية في تمرير ما تريده في الرئاسيات لم تعط النتائج المرجوة منها لدعم تيار الرئيس الذي يريد بهذه الأحزاب عهدة رابعة أو عهدة لرئيس بالعهدة الرابعة لا يعيّنه أصحاب الحق الإلهي في تعيين الرؤساء. لكن ما حدث أن الرئيس فقد سيطرته على هذه الأحزاب بسبب نوعية من اعتمدهم كبدائل لمن كان يعتقد أنهم رجال الحق الإلهي في هذه الأحزاب مثل الأفالان والأرندي، فباتت الأفالان بعد التغييرت التي أحدثها محيط الرئيس على القيادة أقرب إلى الجهة التي يراد محاربتها في الأفالان من الرئيس نفسه.! وحتى الأرندي بات واضحا بعد مؤتمره الأخير بأن القيادة الجديدة التي دعّمها محيط الرئيس لا تتحكم في هذا الحزب كما يجب، وبالتالي لا يعوّل عليها في أية معركة سياسية مقبلة حتى ولو كانت تتعلق بمصير العهدة الرابعة أو التأثير في مجريات الأمور بالنسبة لتعيين من سيخلف الرئيس. ثالثا: المعركة التي جرت بين تيار الرئيس وخصومه على مستوى تيارات الأفالان والأرندي والتي جرت على مستوى مؤسسة الجيش وعلى مستوى المؤسسات الأخرى، كالإدارة والبرلمان والحكومة، بيّنت أن تغيير رؤوس هذه المؤسسات لا يؤدي بالضرورة إلى تغيير المسلكيات السياسية وغير السياسية والولاءات في هذه المؤسسات. وبات واضحا أن الرئيس الذي لم يستطع أن يحسم الأمور لصالحه في قيادات الأحزاب لا يمكن أن ينجح في حسم الأمور لصالحه أو لصالح من يريده أو ما يريده إذا تعلق الأمر بتعديل الدستور أو الذهاب للرئاسيات دون إذن من أصحاب الإذن، سواء كمرشح أو كداعم لمرشح، واتضحت الأمور أكثر على مستوى البرلمان.. حين تأكدت جماعة الرئيس من أن تمرير تعديل الدستور بواسطة البرلمان لن يكون بسبب فقدان الأفالان الرئاسية والراندو الرئاسي للسيطرة على النواب من خلال فقدان السيطرة على مناضلي قيادات هذين الحزبين.! ولهذا أحجم الرئيس عن تقديم تعديل الدستور بواسطة الاستفتاء أو بواسطة البرلمان. رابعا: الآن تجري المعركة الأخيرة بين سرايا الحكم ليس بين دعاة العهدة الرابعة والذين ضدّها بل العراك يجري حول من سيفرض خليفة بوتفليقة. وواضح أن الرئيس بوتفليقة فقد الكثير من قوته في الحكومة والبرلمان والأحزاب.. ولهذا يتحدث الناس عن تغييرحكومي وعن ترتيبات جديدة في البرلمان.. ولكن يبدو أنه فات الأوان ولم يبق في الواقع أمام جماعة تيزي وزو وجماعة تلمسان سوى الاتفاق على بديل لبوتفليقة من خارج القوتين المتصارعتين على كرسي الرئاسة.. وإذا لم يحدث ذلك ذهبت الأمور إلى ما لا تحمد عقبها.! فقد تأكّد للجميع أن العهدة لن تمر سواء بالانتخاب أو بالتزوير وأن تغيير الدستور بالبرلمان لن يمر ولن يمر بالاستفتاء أيضا، وأن إجراء انتخابات رئاسية حرة مسألة صعبة في الراهن الحالي، وأن الرئيس لم يعد قادرا على البقاء في السلطة أو التأثير فيمن يأتي.