عندما سقط نظام مبارك في مصر ونظام بن علي في تونس تعالت الأصوات الداعية إلى ضرورة المحاسبة السياسية للذين أطلق عليهم آنذاك اسم المناشدين! وهم الذين ناشدوا بن علي ومبارك ضرورة الترشح للرئاسة مرات ومرات! وهم في الغالب الأعم “رهط” من الأشخاص الذين ارتبطت مصالحهم ببقاء بن علي ومبارك في الحكم، منهم رجال أحزاب سياسية وبينهم مثقفون وصحفيون وفنانون ورجال من المجتمع المدني. عندنا يحدث هذه الأيام ما حدث في مصر وتونس قبل سقوط مبارك وبن علي، فقد بدأت عندنا حمى المناشدين الذين يناشدون الرئيس بوتفليقة الترشح لعهدة رابعة.. خاصة بعد نجاح بوتفليقة فيما فشل فيه مبارك، في موضوع التأهل لنهائيات كأس العالم. المناشدون الآن في الجزائر يناشدون وهم في راحة من أمرهم، والرئيس الذي كان يؤجل تعديل الدستور وإعلان الترشح لعهدة رابعة، بسبب الحرج، قد لا يجد الآن حرجا في إعلان تعديل الدستور بالصورة التي يريدها، وبالتالي تمرير الدستور بالحفافات وليس بالاستفتاء، لإقرار حق الرئيس في تعيين نائب له يكمل العهدة الرئاسية إذا تعرّض لمكروه أو استقالة.. ومعنى هذا الكلام أن الرئيس يريد تعديل الدستور على هذه الصفة ليصادر حق الشعب في تعيين الرئيس الذي يخلف بوتفليقة، ويسند الأمر إلى بوتفليقة الذي يقرر وحده من يحكم الجزائر في السنين الخمس القادمة! المناشدون يناشدون الرئيس تعديل الدستور على هذا النحو، وبالترشح لعهدة رابعة.. فالرئيس الذي صادر من قبل حق الشعب في تعديل الدستور، وقال صراحة إن تعديل الدستور لا يمكن أن يمر لو عُرض على الشعب، يمكن اليوم أن يصادر أيضا حق الشعب في انتخاب الرئيس ويسند ذلك لشخصه، عبر تعيين نائبه الذي يعطيه برلمان الحفافات شرعية تعيينه من قِبل الرئيس عوض الشعب، وشرعية حكم البلاد خمس سنوات بعد انسحاب الرئيس ! من هنا، فإن تغيير الدستور والعهدة الرابعة ليس الهدف منهما عهدة رابعة لبوتفليقة، بل الهدف هو إعطاء الحق الدستوري للرئيس بأن يعطي عهدة لنائبه ليحكمنا خمس سنوات؟! فالعهدة الرابعة إذن هي وسيلة لتسليم الرئيس الحكم لمن يريد، وليس كي يحكمنا سبع سنوات أخرى كما يروّج؟! العبث بمؤسسات الدولة بلغ مداه، وعليكم أن تسجلوا من الآن قوائم المناشدين، لأننا قد نحتاجها في الوقت المناسب، كما احتاجها المصريون والتوانسة؟! تغيير الدستور في آخر لحظة قبل الرئاسيات، وإجراء رئاسيات بالأرانب هي ضمانات لعهدة رابعة تعطي الحق للرئيس في أن يعيّن من سيخلفه، عن طريق إعطاء الرئيس حق تعيين نائبه، وإعطاء النائب الحق في تسيير البلاد لكل سنوات العهدة بعد اختفاء الرئيس. هذا التحايل الدستوري على إرادة الشعب هو المطروح الآن بقوة، لكن المثل يقول ما يفكر فيه الذئب لا يخفى على السلوقي؟!