الرتب العسكرية والأمنية تفتح الأبواب المغلقة المواطنون سواسية كأسنان المشط، شعار يردده المسؤولون في أعلى هرم السلطة في كل المناسبات.. لكن الحقيقة غير ذلك تماما والواقع يقول إن هذا الكلام موجه فقط للاستهلاك وذر للرماد في الأعين، لأن المواطنين في الحقيقة درجات، صنف "يجاهد" فقط من أجل تحصيل حقوقه لكن هيهات، وصنف "يتجنّد" الجميع رهن إشارة "رتبته" ولو كانت وهمية.. هؤلاء هم المواطنون فوق العادة. تكرّس لدى المواطنين البسطاء والمغلوبين على أمرهم الاعتقاد بأن المحظوظين في الانتماء إلى المؤسسة العسكرية يمتلكون مفتاح الجنة على الأرض، فهؤلاء يجدون البساط الأحمر مفروشا أمامهم في الإدارات ولا يواجهون أي مشاكل للنظر في انشغالاتهم، سياراتهم لا تعترف بالإشارة الحمراء ولا تقف أمام الحواجز، يمرون مباشرة في المستشفيات ولا يعرفون معنى الانتظار في الطابور، والأهم “رتبتهم” تمنحهم كل الامتيازات التي يحرم منها غيرهم. هذا الاعتقاد دفع بالكثير من أصحاب الصنف الأول، وحتى لا نظلم المواطنين الصالحين، نقول المحتالين الذين ينتمون إلى الصنف الأول، “يجازفون” بمحاولة الاستفادة من الامتيازات التي تمنح فقط لأصحاب الرتب، ولعل كثرة القضايا التي تحصيها أروقة الكثير عن انتحال صفة العسكريين والضباط.. وحتى الجنرالات المزيفين، أصدق مثال على ذلك. التحقيقات في أغلب هذه القضايا حتى لا نقول جميعها، أكدت أن أصحاب الرتب المزيفين جنوا، على مدى سنوات من الاحتيال و”التنعم” في بذلة العسكري الوهمي، الملايين والملايير، انطلت حيلتهم على المسؤولين في الإدارات وأجهزة الدولة، استفادوا من امتيازات لم يحلموا بها يوما.. وفوق هذا كسبوا “الهيبة” واحترام الناس. 17 سنة من الكذب ولعل آخر قضية عالجتها مصالح الدرك الوطني أصدق مثال على ذلك، كان بطلها جنرال “وهمي” في “الدي. أر. أس” ضحك على ذقون الجميع وحتى “الأجهزة الأمنية” ل17 سنة كاملة، دون أن يتفطن أحد إلى أنه لا يمت بصلة لأصحاب الرتب. فصاحبنا الذي سقط في الأربعين من عمره، بدأ لعبته وهو ابن الثالثة والعشرين، أتقن جيدا لعب دور العسكري المرموق، في هيئته ولباسه، طريقة حديثه، سيارته الفاخرة، والأهم طريقة تعامله مع “المواطنين من الدرجة الثانية”. أما بالنسبة للأجهزة الأمنية، فكان يكفيه إظهار بطاقته المهنية المزوّرة التي تحمل ختم وزارة الدفاع الوطني، كما تمكّن على مدى أكثر من عقد ونصف من ربط علاقات صداقة مع “علية القوم” من شخصيات وإطارات في الدولة، بما فيها الأمنية، دون أن يتفطن له أحد. والمضحك المبكي أن بعضهم كانوا يلقون عليه التحية العسكرية عند مروره. الجنرال المزيف جنى الملايير، حسب ما كشفت عنه مصادر أمنية، والفضل يعود إلى رتبته، والضحايا كانوا مواطنين “أغراهم” بالحصول على سكنات ومناصب عمل وإتمام مشاريع، وكذا نساء منهن إطارات، وعدهن بالزواج. السيناريو الذي نسج خيوطه صاحبنا كان ناجحا، غير أن حلقاته كتبت نهايتها مؤخرا، بعد أن كشف احتياله، وما خفي أعظم. والمضحك أنه صرح أمام المحققين أن لعبته لم تكن إلا محاولة لتحقيق حلمه بأن يكون عسكريا، وتأثره بالحياة العسكرية أثناء أدائه الخدمة الوطنية. “كازانوفا” ابن الجنرال جنرال آخر، مزيّف طبعا، كان بطل قصة مشابهة. ولو أن تمثيلية ابن مدينة وهران لم تدم سنوات مثل سابقه، غير أنه صال وجال وهو في عقده الخامس في الإدارات المركزية والمحلية في ولاية تيارت التي اختارها للعب دوره، وتمكن من جني الملايين، قبل أن يسقط في كمين نصب له من قبل مصالح الأمن. اللعب بمشاعر الفتيات وأعراضهن مهمة تبدو صعبة، ولو أنها ليست مستحيلة بالنسبة لمحترفي العبث بشرف الفتيات، لكنها ليست بتلك الصعوبة عندما تحمل امتياز ابن فلان، وهي “التأشيرة” التي قادت “كازانوفا”، عاصمي قدم نفسه على أنه ابن جنرال، للعبث بشرف العديد من الفتيات الساذجات اللواتي أغدق عليهن وعودا بحياة وردية تحت عباءة والده الجنرال، وكانت من بين ضحاياه نحو 20 طالبة جامعية وعد بعضهن بمناصب عمل في وظائف براتب “محترم” بعد التخرج. غير أن الابن المحظوظ سقط في لعبته الأخيرة، عندما اعتدى على طالبة بجامعة بوزريعة في العاصمة، ووعدها بالارتباط بها بمباركة والده الجنرال، ولأن وعوده طال أجل تنفيذها، تشجعت الفتاة وقدمت شكوى لدى المصالح الأمنية، دون أن تشك للحظة أن عشيقها ليس ابن جنرال، لكن هذا ما كشفته التحقيقات الأمنية، ليقدم أمام محكمة بئر مراد رايس بتهمة انتحال صفة. ابن جنرال آخر، وهمي طبعا، ينشط في ولاية عنابة، اختار ضحاياه من الشخصيات النافذة، إذ قام المدعو “موح الدزيري” بالنصب على أكثر من 200 شخص من العاصمة، البليدةوعنابة، معظمهم من الشخصيات النافذة والتجار وإطارات سابقين في الأمن وبرلمانيين، سلب منهم مبالغ مالية ضخمة تراوحت ما بين 50 مليون سنتيم و20 مليار سنتيم. وكشف منتحل صفة ابن الجنرال عند توقيفه بعد ثلاث سنوات من استغلال رتبة والده المفترض، أنه لم يترك مجالا لم يخض فيه، فاحتال على أصحاب وكالات كراء السيارات في العديد من الولايات، واستغل نفوذه وعلاقاته في الكثير من الوزارات والهيئات المحلية والوطنية للحصول على مشاريع لصالح مقاولين حصل منهم على مبالغ مالية معتبرة مقابل تسوية وضعيتهم.. ووسيلته في ذلك كانت لقب ابن الجنرال التي فتحت أمامه كل الأبواب المغلقة. هذه القضايا ليست إلا غيضا من فيض وما خفي أعظم، وحتى إن أسالت تفاصيلها الكثير من الحبر على صفحات الجرائد، ستظل صفة العسكري وسيلة في يد المحتالين لتحقيق مآربهم، وستظل حيلهم تنطلي على ضحاياهم، والمتضرر الوحيد من أفعالهم ليسوا فقط المواطنين الذين حركتهم بيروقراطية الإدارة لطلب عون هؤلاء أو حتى الطمع، لكن حتى سمعة ومصداقية المؤسسة العسكرية ستكون على المحك.. وننقل في هذا المقام جملة تختصر كل شيء لقارئ كتب معلقا على موضوع جنرال “الدي.أر.أس”: “جنى الملايير وهو جنرال مزيف، فماذا لو كان حقيقيا؟”. المحققون يتقمصون دور الضحايا هكذا تتم الإطاحة بالجنرالات “الوهميين” أكد مصدر أمني ل”الخبر”، أنه يصعب الإطاحة بالجنرالات “الوهميين”، باعتبار أن هذا النوع من المجرمين لا يتركون أثرا وراءهم، لإيمانهم بالشخصية التي يتقمصونها، فهم أشخاص يعانون من عقد وأمراض نفسية، فيما تستغرق مدة التحقيق في أغلب القضايا المعقدة ستة أشهر. وذكر المصدر نفسه، أن إسقاط مثل هذا النوع من الأشخاص يتم بعد ترصد وتعقب تصرفاتهم، إما من خلال رجال الاستعلامات أو استنادا للمكالمات الهاتفية لأشخاص مجهولين أو للضحايا أنفسهم الذين يدلون بمعلومات جد بسيطة يتم استغلالها في التحقيق، ويكشفون عن صفات المحتالين الذين يحرصون على تغيير هويتهم للتنقل بكل حرية، وسياراتهم، ومقرات إقامتهم، بل وحتى تغيير المظهر الخارجي، مع تجنب تنفيذ مخططاتهم الإجرامية في الأحياء التي يقطنون فيها. غير أن استغلال أي معلومة مهما كانت تافهة، كفيل بتوقيف هذا النوع من المجرمين، بعد استدراجهم لموعد يتم تحديده مستقبلا من قبل المحققين الذين عليهم استخدام الحيلة، بتقمص شخصية الضحية الباحث مثلا عن مسكن أو منصب شغل، ليتم بعدها مراقبة تحركاتهم والتأكد من تصرفاتهم المشبوهة قبل القبض عليهم. الجزائر: ر. أدرغال ناصر جابي أستاذ علم الاجتماع هشاشة العلاقة بين المواطن والدولة وراء الظاهرة أرجع الدكتور ناصر جابي، المختص في علم الاجتماع، تفشي ظاهرة انتحال صفة ضباط في الأمن والجيش إلى هشاشة العلاقة بين المواطن والسلطة، ولاعتقاد المحتالين بأن ضباط الأمن يحصلون على الكثير من الامتيازات. وقال المتحدث إن ضعف المواطن تجاه الإدارة يدفعه للبحث عن طرق احتيالية لتسوية مشاكله العالقة، بل لتحقيق الثراء في ظرف قصير، وذلك باصطياد أشخاص يعانون من أزمة سكن أو يبحثون عن عمل أو قرض، مشيرا إلى أن هذا النوع من المحتالين يتميزون بالذكاء الشديد ويحرصون على الاحتكاك بإطارات في الجيش أو الأمن. كما حذر من الظاهرة التي أكد أنها ستستمر في ظل غياب علاقة شفافة وقانونية بين الدولة والمواطن، والسماح لهذا الأخير بتبليغ انشغالاته واهتماماته. رزيقة.أ العميد أول جيلالي بودالية مدير الاتصال بالمديرية العامة للأمن الوطني مقارنة بصمات منتحلي هوية الشرطة لتوقيفهم أكد مدير إدارة الاتصال والعلاقات العامة بالمديرية العامة للأمن الوطني، العميد أول للشرطة، جيلالي بودالية، أنه سبق معالجة حالات لأشخاص انتحلوا صفات رجال الشرطة، وعادة ما يتعلق الأمر بشباب في العقد الثالث أو الرابع، يقومون بإيهام ضحاياهم بأشياء هي في الأصل منافية للقانون، ليسلبوهم ما بحوزتهم ويختفوا عن الأنظار. وحسب بودالية، يتم القبض على المحتالين بعد تلقي مصالح الشرطة بلاغات من مواطنين، حيث يتم تشكيل فرق أمنية تعمل على رصد المشتبه فيهم في عدد من المواقع، وتوقيفهم في حالات تلبس، مشيرا إلى أن هذا النوع من المتهمين يجيدون الحديث ويحرصون على هندامهم الأنيق، ما يساعدهم على الإيقاع بضحاياهم وإيهامهم بأنهم من رجال الشرطة. وذكر المتحدث، في السياق، أن مصالح الشرطة تقوم بمقارنة بصمات الموقوفين ومدى مطابقتها لحوادث سابقة، لمعرفة إن كانت لهم علاقة بها. الجزائر: رزيقة أدرغال وزارة الدفاع الوطني سلوكات تؤثر على صورة المؤسسة العسكرية ❊ قالت مصادر من وسط الجيش الوطني الشعبي ل”الخبر”، إن جرائم انتحال هوية مسؤولين في الأمن يكون ضحيتها الأشخاص الطماعون والأغبياء، مشيرة إلى أن هذا النوع من الجرائم أصبح يؤثر على صورة المؤسسة العسكرية. وحمّلت مصادرنا مسؤولية انتشار هذه الظاهرة للضحايا أنفسهم، الذين يمنحون الفرصة للمحتالين، متسائلة “كيف يثقون في شخص يدّعي أنه جنرال وقادر على تسوية ملف سكن في ظرف قصير، في حين أن هناك من ينتظر سنوات للظفر بسكن لائق !”. وعن تأثير مثل هذه الجرائم على المؤسسة العسكرية، قالت المصادر ذاتها إن “المشكل أخلاقي بالدرجة الأولى، ويوجد تراكم لدى المواطن الجزائري الذي عليه أن يحتاط في التعامل مع غيره”. الجزائر: رزيقة.أ