ردَ الجيش عبر مجلته الدورية بشكل غير مباشر على تصريحات الجنرال حسين بن حديد عندما هاجم الأسبوع الماضي قائد أركان الجيش أحمد ڤايد صالح، وترك صورة عن وجود صراع حاد بين قيادة الأركان ووزير الدفاع رئيس الجمهورية، وبين قائد جهاز المخابرات محمد مدين. دارت افتتاحية “الجيش” لسان حال المؤسسة العسكرية في عدد فيفري الجاري حول موضوعين أساسيين. الأول “تلاحم وتماسك الجيش”. والثاني يتعلق بالتكوين و “كفاءة” كوادر المؤسسة. والموضوعان ضربهما في الصميم قائد الناحية العسكرية الثالثة سابقا العميد بن حديد خلال مقابلته المثيرة مع “الخبر” الأربعاء الماضي. وجاء في المجلة بخصوص النقطة الأولى ما يلي “خلال مسيرته الطويلة والحافلة بالمواقف البطولية، مرَ الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني بمراحل هامة في تاريخه المجيد. فرغم المنعطفات الحاسمة التي طبعت تاريخ الجزائر المستقلة، كان وسيبقى جيشنا جمهوريا متلاحما ومتماسكا يتسم بوحدة الصف والانسجام. فقوته وصلابته تكمن في وحدته المتجذرة والموروثة عن سلفه جيش التحرير الوطني الذي تمكن بفضل وحدته وتضحياته من استرجاع حرية وسيادة وكرامة الشعب الجزائري”. وإذا وضع حديث المؤسسة العسكرية عن “تلاحمها وتماسكها” وعن “وحدة صفوفها وانسجامها” في سياق الأحداث، فالقصد منه هو الرد على الجنرال بن حديد الذي فرَق بشكل واضح بين رئاسة الأركان وجهاز المخابرات العسكرية، والهيئتان تنتميان لمؤسسة الجيش. وكان بن حديد واضحا في كلامه عندما قال إن الفريق قايد صالح يعمل (بالمفهوم السياسي) لمصلحة رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة ضد الفريق مدين “توفيق”. والصراع بين الطرفين حسبه قائم على إصرار جماعة الرئيس على البقاء في الحكم اتقاء للمتابعة القضائية المهددين بها بسبب ملفات فساد تخص حاشية الرئيس وتوجد بين أيدي ضباط مديرية الاستعلام والأمن، على حد تعبير بن حديد. وقال بن حديد بشكل مباشر إنه تحدث في هذه التفاصيل نيابة عن “الجماعة”، ولهذه الكلمة مدلول ثقيل. وأخطر ما في هجوم بن حديد قوله إن صالح “عديم المصداقية”، وإن الضباط والجنود سيعصونه إذا حاول مواجهة توفيق. وبذلك فقد ضرب بن حديد قيادة الأركان كمؤسسة، ويشير مضمون افتتاحية “الجيش” إلى هذا الأمر ضمنيا. أما عن النقطة الثانية فقد جاء في المجلة “يركز الجيش جهوده على التكوين بمختلف فروعه وتخصصاته والعمل على تطويره على مستوى مدارس أشبال الأمة لتكون رافدا للمؤسسة العسكرية بإطارات ذات كفاءة، وترقيته على مستوى المدارس العليا والوطنية باعتماد نظام ليسانس– ماستر-دكتوراه، وإعطاء الأهمية اللازمة للتدريب العسكري والتكوين التخصصي، وتكثيف المناورات والتمارين العسكرية بشكل مستمر، واعتماد التعاون الثنائي والمتعدد الأطراف في مختلف المجالات، مع التركيز بشكل دقيق على المورد البشري والاهتمام بكل ما يتعلق به من الجانب الاجتماعي والنفسي”. وإذا وضع حديثُ مؤسسة الجيش عن الكفاءات والتكوين والاهتمام بالعنصر البشري العسكري في سياقه، فالقصد منه تفنيد كلام بن حديد عندما قال إن المؤسسة العسكرية “صورة مصغَرة عن ما يجري في البلاد. هي صورة للجامعة عرف التكوين فيها ضعفا”. وذكر أيضا “الجيش مثل الكثير من الأطراف طاله الرشوة والفساد.. بعض مسؤوليه تورطوا في الفساد ولكن ليس بالحجم والخطورة الذي شهدتهما سوناطراك مثلا”. ورغم أن بن حديد حرص على القول إن الجيش موحد ومنسجم، فإن القائمين على المؤسسة العسكرية يرون من خلال هذا الرد أنه شتت الصفوف أو حاول تشتيتها. وتتضمن افتتاحية المجلة أيضا إشادة بالطريقة التي اتبعها الجيش في حسم أزمة المصنع الغازي بتيقنتورين مطلع 2013. فقد تعرض لانتقادات بسبب مصرع 29 رعية أجنبيا عندما تدخلت وحدة من ضباط النخبة لوضع حد لاحتجاز الرهائن. وذكرت “الجيش” بهذا الخصوص “تصرف الجيش كعادته بكل مسؤولية واحترافية، وتدخل بشكل سريع وحاسم ونفذ عملية ناجحة بكل المقاييس وأنقذ الجزائر من كارثة محققة ودون تفاوض، حتى لا يتحول المجرمون والقتلة إلى مفاوضين، وتفاديا لكل مساومة وابتزاز وبعيدا عن الضغوط الخارجية والتدخل الأجنبي”. وسبق للسان حال الجيش أن دافع عن خيار استعمال القوة في حادثة تيقنتورين، ولكن مسؤولي الجيش رأوا ضرورة في التأكيد عليه مجددا.