أضحى التهريب على طول الحدود، وخاصة الغربية منها، يشكل هاجسا حقيقيا ونزيفا اقتصاديا، رغم العمليات الواسعة التي سمحت بحجز كميات قياسية عام 2013، حيث تفيد تقديرات مصالح الجمارك بتجاوز الكميات المحجوزة من مختلف أصناف الوقود مليون لتر، وهي كميات غير مسبوقة، تكشف عن تحول الظاهرة فعلا إلى نزيف. حسب تقديرات مصالح الجمارك، تم خلال السنة الحالية 2013 حجز 830 ألف لتر من الوقود بمختلف أنواعه، على عدة محاور على طول الحدود الغربية بين الجزائر والمغرب، والجنوبية بين مالي والنيجر وفي مناطق بشار والأغواط وغرداية وولايات الشرق والجنوب الشرقي إلى غاية جانت القريبة من الحدود مع ليبيا، لتتجاوز بعد عمليات التحصيل النهائية عتبة مليون لتر، مع الإشارة إلى أن الكميات الأهم تسجل على مستوى الحدود الجزائرية المغربية، وهو ما يؤكد أن التهريب يعرف أبعادا خطيرة. وتعتبر عمليات الحجز هذه السنة أكبر بثلاث مرات عن تلك المسجلة العام المنصرم والتي بلغت، حسب نفس المصدر، 288 ألف لتر من الوقود. وتم تسجيل خلال سنة 2012، حجز ما قيمته 6211499 دينار جزائري، بينما ارتفعت القيمة عام 2013، بصورة كبيرة جدا، ببلوغها 17926518 دينار جزائري، أي ثلاث مرات القيمة الأولى. كما تم فرض وفقا للقوانين المعمول بها عام 2012، غرامات بلغت 913681568 دينار. ورغم العمليات المسجلة، فإن الكميات المهربة، مقارنة بالمحجوزة تبقى معتبرة، وفقا لما هو متعارف عليه، وإن سمحت التدابير الاستعجالية التي تم القيام بها على مستوى الحدود في التقليل من حدتها، ويضيف هذا العبء إلى نقص العرض ومحدودية قدرات التكرير، مما يضع الجزائر في وضعية صعبة، مع تسجيل عجز في تلبية الحاجيات المتزايدة بصورة منتظمة سنويا. وتواجه الجزائر معضلة حقيقية مع زيادة حاجيات سوق المواد البترولية ومشتقات البترول، ويبلغ حجم استهلاك الوقود بمختلف أنواعه في الجزائر، حوالي 14 مليون طن، منها قرابة 11 مليون طن للوقود، 2,5 مليونا للبنزين، تتضمن حوالي 250 ألف طن فقط من البنزين دون رصاص، وأكثر من 7 ملايين مازوت و350 ألف غاز بروبان مميع وقود، وكمية قليلة جدا من الغاز الطبيعي المميع وقود، بينما تم تسطير برنامج خاص للاستثمار لرفع قدرة التكرير في الجزائر إلى حدود مليون برميل يوميا بدلا عن أقل من 550 ألف برميل يوميا حاليا. وكانت الجزائر تعوّل على مصفاة تيارت لتحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة كبيرة في العديد من المواد البترولية، ولكن تعليق المشروع ضاعف من المصاعب التي تواجهها الجزائر، وخاصة فيما يتعلق بالمازوت، والتي أجبرتها على استيراد كميات كبيرة منها، بلغت ذروتها السنة الماضية. ولا تزال الجزائر غير قادرة على بلوغ مستوى عالي من قدرات التكرير، ومواكبة تطور الطلب، مما يدفعها إلى اللجوء مرارا إلى الاستيراد لتدارك النقص، حيث أن قدرات التكرير الجزائرية لا تتعدى نصف الإنتاج النفطي أو ما يقدر ب550 ألف برميل. المازوت الروسي والبنزين الايطالي غير المطابقين يغزوان محطات الخدمات ولم تنجح الجزائر، رغم عمليات العصرنة والتحديث، التي باشرتها وفي انتظار تجسيد المشاريع الجديدة في تلبية حاجيات السوق المحلية من مختلف المواد البترولية والوقود، إذ تبلغ قدرات التكرير لأهم المصافي الجزائرية ‘'سكيكدة وأرزيو والجزائر وحاسي مسعود وأدرار'' 6,27 مليون طن، ولم تتجاوز قدرات تكرير الجزائر بفضل الهياكل الموجودة، 550 ألف برميل يوميا، أي أن أكثر من نصف النفط المنتج محليا يوجه للخارج كمادة خام لغياب بدائل متاحة، لتقوم الجزائر بتعويض النقص من خلال استيراد المادة النهائية بسعر السوق الدولي. وباشرت الجزائر عمليات تدعيم قدرات إنتاج المصافي، على غرار مشروع توسيع مصفاة الجزائر، للرفع من إنتاج المصفاة من 7 ,2 إلى 6 ,3 مليون طن سنويا، ونفس الأمر ينطبق على مصفاة أرزيو المقدر إنتاجها ب8 ,2 مليون طن، تليها عملية عصرنة أكبر مصفاة في الجزائر بسكيكدة التي يقدر إنتاجها ب15 مليون طن. بينما يقدر إنتاج مصفاة أدرار أول المصافي الخاصة في الجزائر ب600 ألف طن، وبلغت القدرات الإجمالية للمصافي الخمس الرئيسية 6 ,22 مليون طن، تضاف إليها مصفاة المكثفات لسكيكدة ب5 ملايين طن سنويا. وتسعى الجزائر إلى تدعيم قدراتها ومضاعفتها بفضل انجاز مصافي جديدة، بقدرات تعادل تقريبا القدرات المتوفرة. وتظل الجزائر مرتبطة بالسوق الدولية والاستيراد في مجال المواد البترولية ومشتقات البترول، فضلا عن النفط الثقيل المستخدم في الزفت والذي لا تنتجه الجزائر، بما أن بلادنا تنتج أساسا النفط الخفيف. ومن المفارقات أن المادتين الأكثر استيرادا هي نفسها المواد التي تهرب أكثر عبر الحدود، بالنظر لمزاياها وأسعارها وسهولة نقلها.