كانت النتائج المباشرة لمشروع العهدة الرابعة انسحاب جيلالي سفيان وتراجع حمروش عن الترشح لرئاسيات أفريل المقبل. ففي نظرهما، فإن السيدة لويزة حنون لم تأت بالخبر اليقين حين عادت من لقاء جمعها بنائب وزير الدفاع الفريق قايد صالح ونقلت عنه حياد قيادة الجيش في هذه الانتخابات. لا مفاجأة في السيناريو القادم. فمرشح السلطة بغض النظر عن اسمه، سيكون صاحب حظ بصندوق يضمن أكثر من تسعين بالمئة من الأصوات. وحتى لو يترشح بوتفليقة وهو بصحة عام 1999 من غير مباركة السلطة أمام مرشح آخر للسلطة، على الأرجح لن يتجاوز “الرفيق عبدالقا” العشرة بالمائة من الأصوات الناخبة. فلا وجود لما يوحي على أن الرئاسيات المقبلة ستكون الاستثناء، لا وجود لمؤشرات تحدّثنا عن تغيير ما أو احتمال حدوث تحوّل ما. فمباشرة إثر إعلان عبد المالك سلال عن ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة، سكن خبر الترشح الشاشات والإذاعات العمومية. ومن تكفل بالإعلان عن الترشح ؟ إنه هو.. صديق لطفي دوبل كانو، الوزير الأول ورئيس اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات. نحن وسط محيط يصنع قانونه على مقاسه وينظم لعبة انتخابية. فالعيب الانتخابي ليس في رغبة ترشح شخص لعهدة خامسة، إنما في مرض الرئيس وعجزه عن الحضور أمام الشعب وفي غلق تنظيم الانتخابات، من خلال إصرار النظام على رفض إشراك غيره في اللجنة الوطنية المشرفة على الانتخابات. وموقفا مثل هذا يعدّ من بين مجموعة دلائل تنفي عن السلطة صفة الساعي أو الراغب في ترتيب درجات تشييد دولة القانون. وتؤكد مرة أخرى أن فتح العهدات في التعديل الدستوري عام 2008 كان من أجل ترسيم مشروع الخلود في الحكم. نحن أمام مظاهر تشير إلى وصول النظام إلى انسداد يحتم عليه جمع شتاته الموزع بين متناقضات بلخادم وأويحيى وبن يونس وغول وسيدي السعيد وبعض العمال مع بعض الباترونا، ليصنع منهم عجينة تحفظ تماسك مشروع “العهدة الرابعة” لرئيس أقعده المرض وأسكته، هي فسيفساء يتقدمها إعلاميا “سعداني” أمين عام جبهة التحرير. وهؤلاء السياسيون لا يقدّمون الوجه الهادئ أو المسالم لجزائر نحلم بها. هم يمثلون الماضي بصراعاتهم المتواصلة وفي طريقة حبهم البقاء في الحكم أو في الطوفان حول الحكم، كما يطوف الحجاج بالكعبة. إن مصدر قوتهم اليوم والآن يكمن في قدرتهم على التحالف حول الرئيس. وفي نفس الوقت، يعد خروج الصراع إلى العلن بمثابة الإعلان عن بداية ترتيب البيت لمرحلة ما بعد الانتخابات، البداية التي تسبق الحسم في بعض الخيارات، أهمها تعديل الدستور لخلق منصب نائب الرئيس يقوم بتمثيل الصورة المتحركة للرئيس. ولأن المعادلة معقدة، فإن العهدة الرابعة لا تضمن إقامة توازنات جديدة صلبة ترضي الأغلبية المشكّلة للتحالف حول الرئيس، فلكل مجموعة حسابات وطموح وأطماع ومرض الرئيس وضعفه يفتح شهية رفاق التحالف. ليس للنظام مشروع ديمقراطي كانت وعوده لربح الوقت وامتصاص الغضب، خطاب الوعد بالإصلاحات من قبل الرئيس في أفريل 2011، ثم خطابه بسطيف في ماي 2012 ورسالته بأنه آن الأوان لتسليم المشعل لجيل جديد، كانت مناورات بتقديم حجرة على لوحة اللعبة، تلتها تحريك أحجار أخرى لغاية صيحة سعداني عن المخابرات وعن الدولة المدنية، كانت سحب تحاكي بعضها، لم نكن معنيين ولم نكن من المدعوين في الحقيقة أصحاب العرس لا يهمهم حضورنا من عدمه. وللأمانة، فقد نجحوا في خلق تحالف حول شخص، في وقت يعجز غيرهم على خلق تحالف يكون من أجل الجزائر. يذكّرني وضع الجزائر بأواخر عهد برجنيف زعيم الاتحاد السوفييتي، وتذكرني سخرية جزائريين وأجانب من ترشح رئيس مريض لعهدة رابعة، بنوادر كانت تقال عن الرئيس التونسي المرحوم الحبيب بورڤيبة، الجزائر هي ك “الرجل المريض”.