التصرّف "تبديد للمال العام" ويعاقب عليه قانون الفساد المرسوم أمضاه سلال وممنوع من النشر في الجريدة الرسمية أمر الوزير الأول عبد المالك سلال، الشهر الماضي، بصرف تعويضات لأعضاء اللجنة السياسية لمراقبة الانتخابات الرئاسية، بناء على مرسوم مختوم ب"سرّي"، ومحظور نشره بالجريدة الرسمية. ويتعارض النص بشكل صريح مع قانون الانتخابات ويعرّض صاحبه لعقوبات يتكفل بها قانون مكافحة الفساد والوقاية منه. تملك “الخبر” نسخة من المرسوم التنفيذي رقم 14-08 مؤرخ في 17 فيفري 2014، المتعلق بميزانية تسيير اللجنة الوطنية، واللجان الولائية واللجان البلدية لمراقبة الانتخابات الرئاسية، يحدد قيمة الأموال التي تمنح لأعضاء اللجان بأصنافها الثلاثة على سبيل التعويض. فبموجب المادة 6 من المرسوم، يتلقى رئيس اللجنة الوطنية 37.5 ألف دينار يوميا، ويحصل أعضاؤها على 33 ألف دينار يوميا. ويأمر المرسوم بصرف 6 آلاف دينار يوميا لرئيس اللجنة الولائية، و5 آلاف دينار لأعضائها. أما رئيس اللجنة البلدية فيستفيد من 3 آلاف دينار يوميا، بينما يأخذ أعضاؤها ألفي دينار. وجاء في النص أن قرار صرف أموال لممثلي المترشحين الستة للانتخابات، في اللجان الثلاث، اتخذه الوزير الأول (حاليا مدير حملة المترشح عبد العزيز بوتفليقة)، بناء على تقرير من وزير الداخلية وبعد موافقة رئيس الجمهورية. وأكثر ما يثير الانتباه في المرسوم، المتكون من 9 مواد، هو مادته الأخيرة التي تقول: “لا ينشر هذا المرسوم في الجريدة الرسمية للجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية”! ويتضح، من خلال حرص السلطة التنفيذية على أن يبقى المرسوم سريا، وجود إرادة سياسية في إخفائه على المواطنين، ما يدعو إلى الاعتقاد بأن رئيس الجمهورية وحكومته، وعلى رأسها الوزير الأول ووزير الداخلية، يعلمون بأن هذا التصرف غير شرعي وغير قانوني. ويعرف بوتفليقة وسلال جيدا، أن القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بنظام الانتخابات، يمنع صرف تعويضات لممثلي الأحزاب والمترشحين في لجان مراقبة الانتخابات، المسماة “لجانا سياسية” لتفريقها عن اللجنة اللوجستية التي يرأسها الوزير الأول. وتتكفل المادة 187 من القانون بهذا المنع فتقول صراحة: “تستفيد اللجنة الوطنية لمراقبة الانتخابات من الدعم اللوجستي من قبل السلطات العمومية قصد آداء مهامها، ولا يحصل ممثلو الأحزاب والمترشحون على تعويضات”. ومعنى هذا أن رؤساء لجان المراقبة وأعضاءها، يستفيدون من الإيواء والإطعام والنقل وخدمات أخرى مثل قسيمات البنزين، أما المال فهو ممنوع عليهم قانونا. فلماذا تعمّد بوتفليقة الموافقة على خرق قانون، فهو من أدخل عليه تعديلات في إطار ما سمي “إصلاحات سياسية؟! ولماذا تعمّد سلال تجاوز هذه المادة القانونية وهو يعلم بأن صرف أموال من الخزينة العمومية، لفائدة أعضاء اللجان ممنوع؟! ولماذا أوصى وزير الداخلية الطيب بلعيز، في تقريره، بمنح التعويضات وهو قاض ويعرف بأن القانون لا يسمح بذلك؟! وما يبيّن النية “غير البريئة” في إصدار هذا النص التنظيمي هو إخفاؤه بعدم نشره في الجريدة الرسمية، بالرغم من وجود مرسوم سابق لم تجد الحكومة حرجا في نشره، في 2012 بمناسبة انتخابات البرلمان، ويتعلق بمنح تعويضات لقضاة أعضاء لجنة الإشراف على الانتخابات. فلماذا فرّق الرئيس ووزيره الأول بين لجنة القضاة ولجنة ممثلي المترشحين؟ هل أرادت السلطة أن تغري ممثلي المترشحين بالمال، خشية حدوث مقاطعة واسعة للانتخابات الرئاسية؟ وقد كان الأصل في إلغاء صرف المال لأعضاء اللجنة السياسية، بعدما كان معمولا به في القانون القديم، هو إنهاء ظاهرة البزنسة ببيع التفويضات من قبل رؤساء الأحزاب، ولإضفاء الجانب التطوعي في النضال من أجل فوز المترشح، وإبعاد شبهة الطمع عن الراغبين في العضوية باللجنة. فلماذا تغيّر هذا المفهوم بمناسبة انتخابات 17 أفريل 2014؟ وبرأي مختصين في القانون الجنائي، يعكس إخفاء المرسوم إدراك من أصدروه بأنه مخالف للقانون، لأن سلال في هذه الحالة أمر الخزينة العمومية بإعطاء أموال لأشخاص لا يستحقونها، ويسمى هذا التصرف في القانون “تبديد المال العام”، ويقع صاحبه تحت طائلة المادة 129 من قانون مكافحة الفساد التي تقول إن “كل موظف عمومي يبدد المال العام لصالح شخص، يعاقب بالسجن لمدة تتراوح بين عامين إلى 10 سنوات، وبغرامة مالية تتراوح بين 200 ألف ومليون دينار”. ويضع هذا التبديد الواضح للمال العام، قضاة مجلس المحاسبة تحت الأضواء الكاشفة. فهم مطالبون بموجب المادة 170 من الدستور بآداء واجبهم الذي يتقاضون من أجله مالا، بخصوص مراقبة صرف أموال الدولة.