وعد الرئيس بوتفليقة الشعب الجزائري بمعالجة فوضى الإعلام القائمة الآن في الجزائر من خلال تنصيب مجلس السمعي البصري ومجلس سلطة الضبط للصحافة المكتوبة، وبداهة فإن وجود هذه الهيئات لن يحل المشكلة الإعلامية في الجزائر إذا ما بقيت الإرادة السياسية في زرع الفوضى في القطاع قائمة. إجراءات معالجة الوضع ينبغي أن تنصب على معالجة الآتي: أولا: رفع السلطة يدها عن الإعلام والكف عن تسييره أمنيا وإداريا وبواسطة أساليب الفساد والإفساد والرداءة، وهذا أمر يرتبط بالإرادة السياسية للسلطة ولا يرتبط أبدا بوجود مؤسسات أو عدم وجودها، فوجود المؤسسات القانونية وحده لا يكفي للنهوض بالقطاع. ثانيا: ينبغي أن تعالج الحكومة موضوع الإعلام العمومي معالجة جذرية بوضع تشريعات وقوانين أساسية للمؤسسات الإعلامية العمومية تخرجها من دائرة هيمنة السلطة على هذه المؤسسات تسييرا وتعيينا للمسؤولين وتمويلا واستخداما تعسفيا لا مهنيا، أي ينبغي أن تصبح هذه المؤسسات عمومية لا حكومية.. فهل يملك الوزير الجديد والحكومة الجديدة الجرأة لمعالجة هذه المعضلة التي هي أساس رداءة الإعلام العمومي ولا أقول الحكومي؟ǃ وبالتالي رداءة وهزال الجو الإعلامي العام في البلاد. ثالثا: مسألة معالجة موضوع الإشهار العمومي والخاص حيوية هي أيضا، ولا يمكن أن تعالج هذه المعضلة دون التركيز على ما يأتي: أ) أن يعود الإشهار العمومي إلى دوره الذي أنشئ من أجله قانونا وهو دعم الشفافية في منح الصفقات العمومية.. وهذا يعني العودة إلى الوظيفة الإعلانية التي أسندت للإعلان العمومي في محاربة سوء تسيير المال العام.. فلا يعقل مثلا أن يعلن عن مشاريع عمومية في صحف لا تنشر أصلا وليس لها أي توزيع لا محلي ولا وطني، بالتالي فإن الغاية من وجود هذا الإعلان تصبح منعدمة، وتصبح مجرد مساهمة في الفساد العام بإرادة الدولة، وإعطاء أموال عامة لأناس لا يقدمون خدمة عمومية إعلامية للرأي العام. والطريقة التي يسير بها الإشهار العمومي الآن جعلته أداة في تنمية الفساد على مستوى البلديات والولايات والمصالح والمؤسسات العمومية بانتفاء الوظيفة الإعلانية التي وجد هذا الإعلان لأجلها. ب) ينبغي أيضا أن يوضع تشريع للإعلان الخاص يلزم المعلن الخاص في الشركات المتعددة الجنسيات وفي الشركات الخاصة الكبرى بأن لا تتجاوز حدود ممارسة الإشهار عن سلعها إلى التأثير في السياسة الإعلامية للبلد عن طريق استعمال الإشهار في شراء ذمم المؤسسات الإعلامية والإعلاميين.. والوزير الجديد يعرف هذه الحكاية بالتدقيق لأنه مارسها.ǃ رابعا: وجود إرادة في إبعاد قطاع الإعلام عن المال الفاسد، والكف عن تحويل بعض المؤسسات الخاصة وهي تعمل خارج القانون إلى بؤر فسادية ووصل بها الأمر لأن تحولت إلى (ديڤرساجات) للأموال المتسخة والتي لها علاقة بدوائر الفساد في السلطة من خلال أبناء وزوجات المسؤولين.ǃ والوزير الجديد يعرف ذلك بالتدقيق. فهل له الإرادة والقوة لوقف هذا؟ خامسا: ينبغي أن تكف السلطة عن العبث بالمهنة وبالمهنيين في الإعلام وتتركهم ينظمون أنفسهم في منظمة تمثيلية لأهل المهنة.. والكف عن منطق تقسيم القطاع إلى صحف موالاة وصحف معارضة وقنوات موالاة وقنوات معارضة؟ فهل باستطاعة الوزير الجديد أن ينجز هذه المهام التي عجز عنه أسلافه؟ لا أعتقد ذلك لأن الأمر لا يتعلق بكفاءة الوزير بل يتعلق أساسا بالإرادة السياسية للسلطة في أن تجعل هذا القطاع يتحوّل فعلا إلى مؤسسة قادرة على أداء دورها في خدمة البلد ليس كسلطة رابعة، ولكن كسلطة لمراقبة أداء السلطة الأخرى. [email protected]