إنّها قاعدة عظيمة غاية في الأهمية؛ لذلك كانت من أولى القواعد الّتي وضعت للنّاس، بل رافقت نزول البشر على هذه البسيطة، حيث يقول الله عزّ مِن قائل في قصّة آدم عليه السّلام: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} البقرة:38-39، {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} طه:123-127. قال الإمام الطبري رحمه الله: [وذلك، وإن كان خطابًا من الله جلّ ذِكرُه لمَن أُهبط حينئذٍ من السّماء إلى الأرض، فهو سُنّة الله في جميع خلقه]، ولذا قال الإمام الزمخشري رحمه الله: [وما هو إلاّ حكم يعمّ النّاس كلّهم]. وقد وعد الله سبحانه في هذه الآيات الكريمات مَن اتّبع هداه أربعة أشياء: لا خوف ولا حزن [والفرق بينهما، أنّ المكروه إن كان قد مضى، أحدث الحزن، وإن كان منتظرًا، أحدث الخوف، فنفاهما عمّن اتّبع هُداه] ولا ضلال ولا شقاء، وينتج عنها أربعة أمور: الفرح والأمن والهدى والسّعادة. وهذا هو الفوز المبين في الدّنيا والآخرة. كما توعّد مَن كذّب بآياته أربعة أشياء: المعيشة الضّنك، والعمى في الحشر، ونار جهنّم، والخلود فيها. وهذا هو الخسران المبين. ثمّ إنّ النّاس في كلّ زمان وكلّ مكان لا يخرجون عن هذين الموقفين؛ فإمّا متّبعون لهدي الله وإمّا في ضلال كبير، هكذا كانت البداية وهكذا تكون النّهاية، وهكذا تكون الحال بينهما. {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ * فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ}، والعاقل مَن حرص أن يكون في زمرة المهتدين، وسأل نفسه حينًا بعد حين، هل أنا على هدى أم في ضلال مبين؟!. هذا وقد يقول قائل: إنّ الله عزّ وجلّ يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا} أيّ حياة ضيق وشدّة، ونحن نرى المُعرضين عن الإيمان والقرآن، في أخصب معيشة وأرغدها؟ فنقول: قد أجاب ابن عبّاس رضي الله عنهما مَن سأله هذا السّؤال بقوله ”المراد بالمعيشة الضّنك: الحياة في المعصية، وإن كان في رخاء ونعمة”. وصدق وبرّ؛ فهل من ضنك أشدّ من الغرق في العصيان والبُعد عن الله الرّحيم الرّحمن؟! أنشر على