يمرّ الإنسان في حياته بمراحل أربع هي مقتضى خلق اللّه تعالى وتقديره، فهو في البداية طفل لا حول له ولا قوّة، قد خرج لتوّه من عالم الرّحِم الضيّق إلى عالم الدّنيا الرّحب سلطانًا على والديه ملح الدار بين أهله، ثمّ يكون شابًا يافعًا مدركًا لواقعه ساعيًا لتحقيق رغباته وبناء ذاته وصنع مستقبله ومصيره. ثمّ كهلًا قد زادته الأيّام والحوادث خبرة وحبكة وحكمة ورزانة تجعله أكثر إدراكًا وأشدّ حرصًا على توفير أسباب الرّاحة والسّعادة الّتي سيحتاج إليها عند شيخوخته وعجزه، وهي المرحلة الرّابعة والأخيرة من حياة الإنسان إن كان ممّن طال عمره، وهي على مرحلتين الأخيرة منها أشدّ وقعًا وأكثر تعقيدًا من بدايتها، وهي المعبّر عنها في القرآن الكريم ب{أرْذَلِ الْعُمُر}، حيث يكون فيها عاجزًا حتّى عن قضاء حاجته بنفسه تمامًا كالطّفل الّذي يحتاج إلى حفّاظة، ولعلّ هذا ما تعنيه أمّي أطال اللّه في عمرها حينما تقول: “بدايتنا صغار ونهايتنا صغار”. يقول اللّه عزّ وجلّ مصوّرًا هذه المرحلة من حياة الإنسان: {واللّه خَلَقكُم ثُمّ يَتَوَفّاكم ومِنْكُم مَن يُرَدّ إلى أرذَل العُمُر لكي لا يَعلَم بعد عِلْمٍ شيئًا إنّ اللّه عليم قدير}. قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: “أرذل العمر أسفله، يصير كالصّبي الّذي لا عقل له”. وجاء في الأثر أنّ كليم اللّه موسى عليه السّلام لمّا جاءه ملك الموت، سأل ربّه: لِمَ لم تخبرني؟ فأجابه ربّه: لقد أرسلت إليك ثلاثة من رسلي شيب الشّعر وضعف البصر وانحناء الظهر”. ومهما قيل في وصف مرحلة الشّيخوخة، فإنّها ولا شك مرحلة عسيرة على صاحبها، ومن ثَمّ على أسرته وأهله. وهنا، يتأكّد البرّ بالوالدين من عدمه. قال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُواْ إِلاّ إِيّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمّا يَبْلُغَن عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا..}.