إنها قصة شاب في العقد الثاني من العمر، الذي ترك قريته الموسومة "تاجموت" الواقعة ببلدية بربرة بولاية الشلف، وآثر الاستقرار في إقليم عاصمة الحضنة، بولاية المسيلة. قد يقول قائل إن هذا الأخير جاء مدفوعا بالحاجة إلى العمل وكسب الرزق أو ما شابه ذلك، ما يضطر الإنسان إلى ترك مسقط رأسه ومعانقة ألم الغربة والهجرة.. لكن هذا الشاب كان غير ذلك.. لم يكن عمله سوى استدراج ضحاياه على حواف الطرقات الوطنية، يقدّم نفسه لهم بوصفه ضابط شرطة قاصدا جهة ما، وفي الأماكن الخالية يسلبهم سياراتهم، وما كان معهم من مال وأشياء ثمينة، ويتركهم لمصيرهم المجهول، قبل أن يسقط في شر أفعاله، مدججا بقضيتين مجموع أحكامهما 27 سنة سجنا نافذا. كانت محكمة الجنايات لمجلس قضاء المسيلة قضت بإدانة المتهم بجناية محاولة القتل عن طريق التسميم مع سبق الإصرار والترصد، والسرقة المقترنة بالعنف والتهديد، وانتحال الوظيفة ممثلة في صفة “ضابط شرطة”، وأصدرت حكمها عليه ب12 سنة سجنا نافذا، وغرامة مالية نافذة قدرها 50 ألف دينار، في قضية تعود أطوارها إلى يوم 23 نوفمبر 2009 عندما تقدم هذا الشاب القادم من ولاية الشلف في ساعة متأخرة من ذلك اليوم من صاحب سيارة نقل غير شرعي (كلونديستان) كان يسترزق بمحطة نقل المسافرين الواقعة بالمدخل الجنوبي لمدينة المسيلة، وعرض عليه إيصاله إلى منطقة المعذر ببوسعادة نظير مبلغ 600 دينار، وهو العرض الذي وافق عليه الضحية، فالأمر يتعلق برزق وقوت عائلته. وفي مخرج مدينة المسيلة طلب منه التوقف أمام محطة البنزين لكي يتناول وجبة العشاء قبل الوصول إلى المكان المطلوب، فامتثل لرغبته وعرّج بالقرب من هذه الأخيرة وبقي ينتظره بداخل السيارة، ولدى عودته أحضر له معه أكلا خفيفا، وبدأ في تناول أطراف الحديث مع السائق التي تفرّع إلى أوجه عدة، عرّف له خلالها عن نفسه كونه يعمل ضابط شرطة، وجاء هنا لمقابلة صديق قديم له. وما هي إلا لحظات حتى بدأ الضحية يشعر بآلام تمزق بطنه، وانتظر المتهم الأمر كي يبلغ غايته، وهناك عرض عليه أن يتولى هو قيادة السيارة بدله، وكان يقصد إيصاله إلى المستشفى للنظر في حالته الصحية. وعلى خلاف ما اتفق عليه قام المتهم بتغيير مسار السيارة باتجاه طريق مظلم وخال من أي حركة، وهناك أمر الضحية بالنزول من السيارة، وعندما أبدى هذا الأخير رفضه لذلك، أخرج مسدسا وقام بتوجيه ضربة له بأخمسه على مستوى رأسه، ثم أنزله بالقوة من السيارة، ولم يقف المتهم عند ذلك الحد، بل تعداه إلى رشه بالغازات المسيلة للدموع، قبل أن يفر تاركا الضحية أمام مصيره المحتوم. وفي هذه الأثناء مرت دورية لمصالح الدرك الوطني صدفة بالمكان، فتوقفت لتنقذ الضحية، ليتم إلقاء القبض على الجاني فجر اليوم الموالي، بعد أن تعطلت سيارته بالقرب من أحد الأودية القريبة. التحقيق يكشف: المتهم مسبوق في قضية أخرى سلب سيارة امرأة بعد أن جرّدها من ملابسها وربطها إلى جذع شجرة وكشف تحقيق أفراد الضبطية القضائية للدرك الوطني بالمسيلة أن المتهم مسبوق في قضية مماثلة، حيث سبق له أن أدين غيابيا من قبل محكمة جنايات المسيلة ب15 سنة سجنا نافذا، كما تقرر من قبل الهيئة القضائية ذاتها إدراج اسمه في لائحة المبحوث عنهم، بعد متابعته بجناية السرقة، وانتحال وظيفة ضابط شرطة، التي كانت ضحيته الأولى فيها امرأة من ولاية سطيف، قام المتهم نفسه باستدراجها إلى وادي بوسعادة، وهناك قام بتجريدها من ملابسها وقام بربطها إلى جذع شجرة، في صورة غير إنسانية، حيث سلبها سيارتها قبل أن يفر إلى وجهة مجهولة. وكانت إحدى ضحايا المتهم في العقد الرابع من عمرها، أوهمها هذا الأخير بربط علاقة عاطفية، قبل أن يقوم باستدراجها لمكان معزول، حيث قام بربطها إلى جذع شجرة، واستولى على سيارتها ومجوهراتها وهاتفها النقال، وتركها في الخلاء تلاقي مصيرها المحتوم، هي أيضا، في سيناريو يشبه إلى حد كبير أفلام السطو والمافيا. وبدأت تفاصيل القضية هذه أيضا، عندما تقدمت الضحية ببلاغ لمصالح الدرك الوطني التابعة للفرقة الإقليمية بولتام جونب ولاية المسيلة، أكدت فيه الضحية تعرضها للاعتداء من قبل شخص تعرفت عليه حديثا بواسطة ابنة خالتها القاطنة بمدينة بوسعادة، والتي تعرفت عليه هي الأخرى بدورها عندما كانت قادمة من ولاية سطيف على متن الحافلة باتجاه ولاية غرداية، في هذه الرحلة حدث بينهما تعارف انتهى بتبادل أرقام الهاتف وبطاقة مدون عليها أرقام هواتف توحي بكونه صاحب مؤسسة للأشغال العمومية، ووعد باللقاء في قادم الأيام، قبل أن يتلقى مكالمة بعد ذلك من قبل الضحية أسرت فيها إليه أنها التقطت الرقم من ابنة خالتها، التي هي بحاجة إلى مبلغ مالي، وهو ما استجاب له المتهم وسهل له مهمة التعرف على هذه الأخيرة، التي تعمقت بعد ذلك إلى العديد من اللقاءات، التي انتهت بوعد للقاء في مدينة بوسعادة، وهناك كان المطعم الذي بدأت فيه الطبيعة الإجرامية للمتهم تتحرك لنسج سيناريو الاستيلاء على سيارة الضحية، وذلك بعد أن اقترح عليها القيام بنزهة عبر الطريق الولائي رقم 6، وفي مكان معزول عن الأنظار قام المتهم بإشهار مسدس كان بحوزته في وجه الضحية، ثم أنزلها بالقوة من السيارة واتجه بها نحو الوادي، وقيّدها إلى جذع شجرة بواسطة حبل، كان أحضره من قبل، حيث جردها من هاتفها النقال والمصوغات التي كانت بحوزتها، وغادر المكان على متن سيارتها تاركا إياها تواجه مصيرها المحتوم. هذه الوقائع كانت محل بلاغ تم تعميمه بنوع السيارة ورقمها التسلسلي وما إلى غير ذلك من معلومات، وهو ما مكّن مصالح الدرك الوطني في ظرف وجيز من إلقاء القبض على المتهم عندما كان هذا الأخير يمتطي سيارة من نوع “رونو كليو”. ولدى تفتيشه عثر بحوزته على مسدس بلاستيكي وقارورة غاز مسيل للدموع، بالإضافة إلى ورقتين من صك بريدي خاص بأحد المقاولين من ولاية تيزي وزو. وتبين أن المركبة التي كان يقودها المتهم مسروقة. وبتعميق عملية التحري والتدقيق داخل السيارة تم العثور على شريحة للهاتف النقال، تبين أن الرقم المذكور فيها يعود إلى الضحية، صاحبة البلاغ. المواجهة والحقيقة أثناء القبض على المتهم في اليوم الموالي الذي تلا محاولة تسميمه لصاحب سيارة الكلونديستان، تم استدعاء المرأة ومواجهتها به، وهذه الأخيرة تعرّفت عليه مباشرة بعد عرضه أمامها من قبل محققي الدرك الوطني، مؤكدة لجهة التحقيق أنه هو الذي استولى على سيارتها، وهو الأمر الذي لم ينكره المتهم الذي اعترف بالوقائع المنسوبة إليه، مؤكدا واقعة الاعتداء والسرقة، وصرح أنه سلّم سيارة الضحية لأحد الأشخاص في مدينة بريكة بولاية باتنة، بغية تفكيكها وبيعها، فيما تصرف في المصوغات والهاتف النقال ببيعها في ولاية أخرى. وبما أن الاعتراف سيد الأدلة تم تشكيل ملف قضائي وتقديمه إلى محاكمة ثانية. ممثل الحق العام المتهم مستنسخ ماهر لأفلام المافيا ووجوده خارج أسوار السجن خطر على المجتمع وفي محاكمة مطولة جرت أطوارها بمحكمة الجنايات بمجلس قضاء المسيلة لم يتوان فيها ممثل الحق العام على التركيز على مدى خطورة وقائع هذه القضية، وبالإضافة إلى ما يشكله عدم نكران المتهم لما تضمنته هذه الأخيرة من واقع الاستناد إلى القاعدة القانونية التي تقول إن “الاعتراف سيد الأدلة”، فإن سيناريو الاعتداء والطريقة المنتهجة لتجريد الضحية من سيارتها وتركها في مكان معزول، والذي لا يمكن إلا أن يشكل مشهدا من مشاهد أفلام المافيا التي أضحى المجتمع عرضة لتداعياتها، وعليه التمس من هيئة المحكمة توقيع عقوبة المؤبد في حق المتهم. صانع الرعب في الطرقات سنوات طويلة وراء القضبان سلطت محكمة الجنايات بمجلس قضاء المسيلة حكما ب15 سنة سجنا في قضية المرأة، فيما أصدرت حكما ب12 سنة سجنا نافذا و50 ألف دينار غرامة نافذة في قضية الكلونديستان، وبذلك يسدل الستار عن قضية زارع الرعب في الطرقات الذي غادر قريته في سفر قد يستغرق سنوات طويلة وراء القضبان.