أقْبَلَ علينا يوم عظيم من أيّام اللّه، وهو خير أيّام السنة عند اللّه، يوم يشترك المسلمون جميعًا فيه بالفرح والسّرور، يجتمعون على ذِكر اللّه وتكبيره والصّلاة له ثمّ يذبحون عقب ذلك نسكهم. عن أنس رضي اللّه عنه قال: قَدِم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: “ما هذانِ اليومان؟” قالوا كُنَّا نَلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال رسول اللّه صلَّى اللَّه عليه وسلّم “إِنَّ اللَّه قد أبْدلكم بهما خيرًا منهما يوم الأَضحى ويوم الفطر” رواه الترمذي. وللعيد آداب وأحكام، منها: الاغتسال والتّطيُّب للرجال، كأن يلبس أحسن الثياب دون إسراف، أمّا المرأة فيشرع لها الخروج إلى مصلّى العيد دون تبرّج ولا تطيّب. وكذلك تعجيل الأكل قبل صلاة الفطر وتأخيره إلى ما بعد صلاة الأضحى، لما أخرجه البخاري من طريق أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: “كان رسول اللَّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ. ويأكلهن وِترًا. كما يُشْرَع التّكبير من فجر يوم عرفة إلى ظهر آخر أيّام التّشريق وهو الثالث عشر من شهر ذي الحجة، قال تعالى: {وَاذْكُرُوا اللّهَ فِي أَيّامٍ مَعْدُودَاتٍ}. وجهر الرِّجال به في المساجد والأسواق والبيوت وأدبار الصّلوات، إعلانًا بتعظيم اللّه وإظهارًا لعبادته وشُكره. قال الإمام مالك رضي اللّه عنه: ويكبّر في أيّام التّشريق الرّجال والنّساء والصّبيان وأهل البادية والمُسافرون وكلّ مسلم صلّى في جماعة، أو وحّده. وفي المذهب إذا سَهَا الإمام عن التّكبير والقوم جلوس فليُكبِّرُوا، ومَن فاته بعض صلاة الإمام فلا يُكبّر حتّى يقضي، أمّا لفظه فإنّ الإمام مالك رحمه اللّه لم يحدّ وإنّما بلغ عنه أنّه كان يقول: اللّه أكبر اللّه أكبر اللّه أكبر ثلاثًا. وجاء في الرسالة لابن أبي زيد: إن جمع مع التّكبير تهليلاً وتحميدًا فحسن يقول إن شاء ذلك: اللّه أكبر اللّه أكبر لا إله إلاّ اللّه، واللّه أكبر اللّه أكبر وللّه الحمد، قاله ابن يونس، بهذا أخذ أشهب وابن عبد الحكم وروياه عن مالك. والذّهاب إلى مُصلَّى العيد ماشيًا، لما جاء من حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما عند ابن ماجه قال: “كان رسول اللَّه صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم يخرج إلى العيد ماشيًا ويرجع ماشيًا”. واستحباب مخالفة الطّريق في الذّهاب والعودة، فعن جابر رضي اللَّه عنه قال: “كان النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم إذا كان يوم عيد خالف الطّريق” رواه البخاري. ويُستَحبُّ أداء صلاة العيد في المُصلّى بالخلاء، لما أخرجه ابن ماجه من طريق ابن عُمر رضي اللّه عهنما “أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان يَغْدُو إِلى الْمُصَلَّى فِي يَوْمِ الْعِيدِ، والْعَنَزَةُ تُحْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فإِذا بَلَغَ الْمُصَلَّى نُصِبَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيُصَلِّي إِلَيْهَا، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُصَلَّى كَانَ فَضَاءً لَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُسْتَتَرُ بِهِ”. والسُنّة لِمَن أتَى المصلّى ألاّ يُصلّي، ويجلس يُكبِّر حتّى يخرج الإمام، فعن ابن عمر رضي اللَّه عنهما: “أنّه خرج يوم عيد فلَم يُصلّ قبلها ولا بعدها، وذَكَر أنّ النّبيّ صلّى اللَّه عليه وآله وسلّم فعله” رواه أحمد والترمذي وصحّحه. وللبخاري عن ابن عباس أنّه كرّه الصّلاة قبل العيد. أمّا ذبح الأضحية، فيكون ذلك بعد صلاة العيد لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: “مَن ذبح قبل أن يُصلّي فليعد مكانها أخرى، ومَن لم يذبح فليذبح” رواه البخاري ومسلم. ووقت الذبح أربعة أيّام، يوم النّحر وثلاثة أيّام التّشريق، لما ثبت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: “كلّ أيّام التّشريق ذبح”. وفيما يخصّ الأكل من الأضحية، فقد كان سيّدنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا يطعم حتّى يرجع من المصلّى فيأكل من أضحيته، روى الترمذي عن عبد اللّهِ بن بُرَيْدَةَ عن أَبيه، قال: “كان النَّبِيُّ صلّى اللّه عليه وسلّم لاَ يَخْرُجُ يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَطْعَمَ، وَلا يَطْعَمُ يَوْمَ الْأَضْحَى حَتَّى يُصَلِّيَ”. وكذلك الصّلاة مع المسلمين وحضور الخطبة، قال اللّه تعالى: {فَصَلِّ لِرَبِّك وانْحَر}، ولا تسقط إلاّ بعُذر، والنّساء يشهدن العيد مع المسلمين حتّى الحُيَّض والعواتق، وتعتزل الحُيَّض المُصلّى. وورد في التّهنئة بالعيد حديث جبير بن نفير قال: “كان أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: “تُقُبِّل منّا ومنك” رواه ابن حجر بإسناد حسن. فاحرِص أخي المسلم خلال أيّام العيد الثلاثة على أعمال البرّ والخير من صلة الرّحم، وزيارة الأقارب، وترك التباغض والحسد والكراهية، وتطهير القلب منها، والعطف على المساكين والفقراء والأيتام ومساعدتهم وإدخال السُّرور عليهم.