حالة الدكتورة أسماء بن قادة تستحق التأمل والدراسة؛ إذ تُمثل نموذجا لإسقاط الشأن الشخصي على منحى التفكير، الذي تهتز فيه أصول الاتجاه الذي أمضت زهرة العمر وشبابه في المنافحة عنه، وخدمته فكرا وعملا. تتراوح هذه الهزة وما يتبعها من هزات ارتدادية بين الإتيان على الاتجاه من أصوله وكثير من فروعه ومظاهره المتغيرة. والمقال\ النموذج [قصة سودانية وقصة أخرى “الخبر”: 25\12\2014] ينتظم ضمن الحالة الأولى؛ إذ تبنى على متغيرات سياسية ومواقف، بعضها يقيني وبعضها حمُال أوجه وبعضها عوارض كلام، أو مُلحة مجلس، وبعضها الآخر رؤية اجتهادية منقوصة من جوانب أخرى للمشهد والصورة. كما اتجهت لاستئصال الاتجاه من جذوره بناء على روايات سياسية (قضية الدكتور حسن الترابي تحديدا)، بنى جلها العمل المخابراتي العربي والغربي في تلك الأثناء، لتداخلها مع التغيرات السياسية الكبرى في العالم (سقوط الاتحاد السوفياتي- النظام الدولي الجديد- غزو العراق للكويت والتحالف الدولي ضد العراق- استكمال العُدة للشروع في مواجهة العدو الجديد (العدو الأخضر أي الإسلام)- التواطؤ الدولي والعربي ضد السودان بتشجيع جون غرنق ومساعدته بالمال والسلاح (من المهم التذكير بما ثبت من أن دولة عربية بترولية خليجية أرسلت سفينة أسلحة إلى المسيحي المتعصب غرنق- محاول اغتيال الترابي يتهجم رياضي أسود في فن الكارتيه في كندا وتوجيه ضربة قوية على رأسه، وغيرها من الأحداث الكبرى التي تمثل المنطقة العربية أحد اكبر وأوسع وأهم ساحاتها. غياب كل هذه المعطيات عن ذهن وشعور أسماء بن قادة، صنعا لها شخصية انتقامية لم يعد من المفيد البحث معها عن الموضوعية؛ إذ غدت لا تفرق بين أصول الاتجاه وضروراته وخلافياته وإكراهاته، بل ودعاباته. وعلينا ملاحظة مسألتين في المقال: الأولى: قولها: “فلنبعد الدين إذن عن المغالطات والأدلجات وألعاب ما هو ممكن، والأفضل الاحتفاظ بالدين والرسالة في دائرة المثالية التي غالبا ما تفضل أن تبقى بعيدا عن أي توظيف سياسي، وأن تعمل في إطار المحاولة المستمرة للاقتراب من تحقيق ما ينبغي أن يكون”. السؤال وهو رد بطبيعة الحال: ماذا يبقى للدين من دور وفاعلية إن طلبنا بعودته السماء، وحسبنا أن نجيل فيه النظر ونتأمله معجبين بمحاسنه ومباهجه المعنوية؟! علما أن رأيها على الإجمال لا جديد فيه إذا وقفنا عند هذه الجزئية فقط؛ إذ عند التحقيق نلقى كل من استشهدت بمواقفهم وآرائهم لا ينسبون لأنفسهم قولا نهائيا، بل هم مجتهدون يعرفون أفضل منها حدود المجتهد. لكن قولها ذاك بالتأكيد يصير مضادا غريبا كل الغربة عن المنظومة التشريعية الإسلامية منذ محمد صلى اللّه عليه وسلم إلى آخر العلماء المجتهدين إلى يوم الدين. وهذا إذا استمررنا معها حتى المقولة الثانية، وهي مؤاخذتها على علماء الإسلام المعاصرين جهلهم باللغات الأجنبية، وهي بالطبع واقع كثير منهم؛ لتبنى عليها رأيها الضمني وهو أن الحل الأوفق والأنسب للأمة في عصرنا هو العلمانية، وقد تمحلت له بغياب دلالات العلمانية عن مدركات علمائنا وفقهائنا المعاصرين. حينئذ تصبح خلاصة الموقف أن العلمانية هي الحل وليس الإسلام، كما كانت تؤمن من قبل. لكن غشاوة الحالة الشخصية التي غيبت رؤية المشهد كاملا بتفاصيله، حرمها من التفطن مثلا إلى أن دلالة جوهر مفهوم العلمانية باتت من المدرك الثقافي العام. وأخيرا هل يمكنها الزعم أنها تُدرك دلالاتها أفضل من الدكتور المسيري صاحب (العلمانية الجزئية والعلمانية الكاملة)، المكتوب بالعربية واطلع عليه المثقفون والعلماء والدعاة؟ وجوهر ما تداوله فيه يتطابق تمام المطابقة مع ما انتشر في كتابات العلماء والدعاة والمفكرين المسلمين الإسلاميين منذ عقود حول جوهر وحقيقة العلمانية.