اتّفق العلماء على أنّ للصّلوات الخمس أوقاتًا خمسة، قال تعالى في الآية الثالثة بعد المائة من سورة النّساء: “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” أي: فرضًا محدودًا بأوقات. وقد حدّدت السّنّة الصّحيحة مواقيت الصّلوات. ولا يصح فعلها قبل وقتها، فدخول الوقت شرط وجوب وصحّة. ويكفي في العلم بدخول الوقت غلبة الظنّ. ووقت الصّلاة هو الزّمن المقدّر لها شرعًا، له بداية ونهاية مرتبطة بالشّمس، كما جاء في الآية الثامنة والسبعين من سورة الإسراء: “َأَقِمْ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا”. ولمّا كان السّؤال يتعلّق أساسًا بصلاة الصُّبح وحكم صلاة قبل الأذان الثاني، قصّرنا الحديث عليها دون غيرها من الصّلوات. ووقت صلاة الصّبح يبدأ مع انصداع الفجر الصّادق، وذلك بظهور أثر الشّمس قبل إشراقها، وينتهي بطلوعها. ومشهور مذهب الإمام مالك رحمه الله أنّ هذا الوقت ينقسم إلى اختياري وضروري، والمراد بالاختياري الوقت الّذي خير الشّارع المكلّف أن يفعل الصّلاة في أيّ جزء منه، وإن كان أوّله أفضل، أمّا الضّروري فهو خاص بأصحاب الضّرورات، أي الأعذار، ويلزم المكلّف أداء الصّلاة فيه من غير تأجيل. فاختياري الصّبح يمتدّ من طلوع الفجر إلى الأسفار الأعلى (ظهور ضوء الصّباح). أمّا الضّروري فهو ما بقي من الوقت إلى طلوع الشّمس. والأصل المبادرة إلى صلاة الصّبح في أوّل وقتها، كما هو الشّأن في كلّ صلاة إلّا الظّهر في شدّة الحرّ، فيستحب الابراد بها. وقد دلّ على ذلك عمومات القرآن، كقوله تعالى في الآية الثالثة والثلاثين بعد المائة من سورة آل عمران: “سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ”. والآية التسعين من سورة الأنبياء: “إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ”. وقد جاء في السّنّة المطهّرة من رواية أبي داود والتّرمذي أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم سُئل: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: “الصّلاة في أوّل وقتها”. وقد كان صلّى الله عليه وسلّم يُبادر بصلاة الصُّبح في أوّل وقتها، كما دلّت على ذلك السّنّة الصّحيحة. وممّا سبق يتبيّن للسّائل أنّ فعله صلاة الصُّبح قبل طلوع الفجر الصّادق، بدعوى أنّ مكان عمله بعيد عن مقر سكناه، وهو مضطر للخروج من البيت قبل أن يحين موعد صلاة الصُّبح لا يصحّ، وعليه قضاء ما كان قد صلّى قبل دخول الوقت. والحلّ بالنّسبة لمثل هذه الحالة، مستقبلًا، أن تؤجِّل الصّلاة إلى حين الوصول، وتؤدّى في الوقت الضّروري ولا حرج في ذلك، ولا إثم، لأنّ المضطر لا يأثم. أمّا في الفصول الّتي يقصر فيها اللّيل ويطول النّهار فالإشكال غير مطروح إن شاء الله. والله أعلى وأعلم. *نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين