هل قرر النظام تأجيل خصوماته إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية، وذلك لتفادي نكسته، خصوصا وأنه لم يعد يفصل عن موعد الاستحقاق الرئاسي سوى أيام معدودات فقط؟ توحي التعليمات التي حرص سعداني على تبليغها عبر أمناء المحافظات للأفالان، بعدم الخوض في الجدل السياسي الذي كان وراء إثارته حول المؤسسة العسكرية والأمنية، أن الإيعاز قد أعطي لدق جرس نهاية فسحة الاستراحة وسحب المناوشات السياسية من الشارع وإرجاعها للغرف المغلقة. إعلان سعداني لمسانديه في الحزب بأنه كحزب ”نرى أن الرسالة التي بعثها فخامة الرئيس إلى نائب وزير الدفاع (بمناسبة تحطم الطائرة العسكرية)، لا تعنينا من حيث العنوان، ولكن معنيون بها من حيث المضمون”، وإن أراد من خلالها سعداني الدفاع عن نفسه بأنه لم يخطئ حتى ينذر من قبل بوتفليقة، إلا أنها تكشف في المقابل أن قرار بوقف الجدل قد اتفق عليه ما بين أجنحة الحكم المتصارعة، خصوصا بعدما أحدث التراشق بين الواقفين وراء سعداني والمدافعين عن توفيق، ليس فقط ردود فعل في الشارع ووسط الطبقة السياسية، بل أخرج اتهامات وفضائح إلى العلن من شأنها جرجرة أصحابها نحو المحاكم، لأنها ليست مجرد تصريحات بقدر ما هي قضايا يستدعي التحقيق فيها في الداخل كما في الخارج، وهو ما جاء كتلميح في رسالة وزير العدل الأسبق، محمد شرفي، إلى سعداني، حول ما ورد بشأن قضية تييبحرين وتيڤنتورين، وأيضا ما جاء من معطيات في الحوار الذي أدلى به ل”الخبر” الجنرال المتقاعد حسين بن حديد بشأن تبديد 49 مليار دولار منذ وصول الرئيس بوتفليقة إلى الحكم، حيث اهتمت العديد من أحزاب المعارضة في الداخل ومنظمات في الخارج، بهذه الاتهامات والفضائح، أكثر من تركيزها على أصحابها وقائليها، ودعت صراحة إلى التحقيق فيها على غرار جاب الله الذي استغرب عدم فتح تحقيق فيها، ما كان سيفتح جبهة على النظام هو في غنى عنها. لقد أظهرت تلك الصراعات بين الزمر الحاكمة، ليس فقط عدم وجود اتفاق هذه المرة داخل المؤسسة العسكرية حول المرشح الرئاسي، ولكن أيضا تداخلا حول المصالح ما بين ”أصحاب القرار”، وبشكل أكبر مما كان عليه في رئاسيات 99 و2004، وهو ما جعل الصراع ينتقل من التنابز بين الأشخاص والموالين لهم من هذا الطرف أو ذاك، إلى إقحام المؤسسات الدستورية لتغليب والتأثير في موازين القوى، وهو ما استدعى في نهاية المطاف ما يشبه اتفاقا يقضي بالتزام ”هدنة” تجسدت ظاهريا، في تعليمات لتوقيف الجدل السياسي الذي قاده الأفالان على لسان عمار سعداني ضد جهاز المخابرات، وباطنيا إعادة احتواء الخطاب الذي نزل إلى الشارع وإرجاعه إلى مكانه الطبيعي وهو ”الغرف المغلقة” إلى حين، بالنظر إلى اقتراب موعد تنظيم الرئاسيات. لكن الدعوة إلى التزام الصمت، وإن كانت قادرة على تبريد الأعصاب مؤقتا بعدما وصلت حرارة الصراع إلى درجة غير مسبوقة، لا يعني الوصول إلى توافق، بل ستبدأ تظهر تداعياته في اليوم الموالي لإجراء الانتخابات الرئاسية، من خلال عدم فتح هذه الأخيرة لأي آفاق جديدة لمستقبل البلاد، لأن التوافقات المبنية عليها كانت هشة وبمصالح متضاربة.