المعروف هو فعل الخير وإسداؤه للعباد، سواء كان هذا الخير مالاً كالصّدقة والإطعام وسقاية الماء وسداد الدُّيون، أو جاهًا كما في الإصلاح بين المتشاجرين أو المتهاجرين، أو عِلمًا، أو سائر المصالح الّتي يحتاجها النّاس، كحسن المعاملة وإماطة الأذى وعيادة المرضى والسّعي عن الأرملة واليتيم. قال تعالى: “وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُم مِن خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ إنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُون بَصير” البقرة:11، ويقول سبحانه: “يا أيُّها الّذين آمَنُوا ارْكَعُوا واسْجُدُوا واعْبُدُوا رَبَّكُم وافْعَلُوا الْخَيْرَ لعلَّكُم تُفلحون” الحجّ:77، فقوله “وافْعَلُوا الْخَيْر” أمر منه تعالى يشمل كلّ خير. وقال عزّ وجلّ: “وَجَعَلْنَاهُم أئِمَةً يَهْدُونَ بأمْرِنَا وَأوْصَيْنَا إلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإقَامِ الصَّلاَةِ وإيتَاءِ الزَّكَاةِ وكَانُوا لنَا عَابِدِين” الأنبياء:37، وقال تعالى: “فَمَنْ يَعْمَل مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه” الزّلزلة:6. وعن أبي موسى الأشعري عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: “على كلّ مسلم صدقة”، فقالوا يا نبيّ الله فمَن لم يجِد؟ قال: “يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدّق”، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: “يُعين ذا الحاجة المَلهُوف”، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: “فليعمل بالمعروف وليمسك عن الشّرّ فإنّها له صدقة” متفق عليه. وفي الصّحيح قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن نفّس عن مؤمن كُربَة من كرب الدنيا نفَّس الله عنه كُربَة من كُرَب يوم القيامة ومَن يَسَّر على مُعْسِر يَسَّر الله عليه في الدّنيا والآخرة والله في عون العبد مادام العبد في عون أحيه..”. وقوله أيضًا عليه الصّلاة والسّلام: “مثل المؤمنين في توادِهِم وتراحُمِهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا أشْتَكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسَّهر والحُمّى..”. إنّ قضاء الحوائج واصطناع المعروف باب واسع يشمل كلّ الأمور المعنوية والحسّية الّتي ندّب الإسلام عليها وحثَّ المؤمنين على البذل والتّضحية فيها، لما فيه من تقويةٍ لروابط الأخوة وتنمية للعلاقات البشرية، قال الله سبحانه وتعالى: “وتعاونوا على البرّ والتّقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان”. قال صلّى الله عليه وسلّم: “أحبّ النّاس إلى الله أنفعهم للنّاس، وأحبّ الأعمال إلى الله عزّ وجلّ سرور يدخله على مسلم، أو يكشف عنه كربه أو يقضي عنه دينًا أو يطرد عنه جوعًا، ولأن أمشي مع أخ في حاجه أحبّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد –مسجد المدينة- شهرًا، ومَن كفّ غضبه ستر الله عورته، ومَن كتم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه، ملأ الله قلبه رجاءً يوم القيامة، ومَن مشى مع أخيه في حاجة حتّى تهيّأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام”. قال تعالى: “مَن يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها”. ولقد ورد في الأحاديث الصّحاح الأجر الكبير والثّواب العظيم والفضل الوفير لمَن يسعى في قضاء حوائج النّاس وحلّ مشاكلهم، قال صلّى الله عليه وسلّم: “اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيّه ما أحبّ”، قال ابن عباس: إنّ لله عبادًا يستريح النّاس إليهم في قضاء حوائجهم وإدخال السّرور عليهم أولئك هم الآمنون من عذاب يوم القيامة. وقيل لابن المنكدر: أيّ الأعمال أفضل؟ قال: إدخال السّرور على المؤمن. قيل: أيّ الدّنيا أحبّ إليك؟ قال: الإفضال على الإخوان. أي التفضّل عليهم والقيام بخدمتهم. ومن أعظم ما يستفيده صانع المعروف وقضاء حوائج الآخرين: حِفظُ الله لعبده في الدّنيا كما في الحديث القدسي: “يا بن آدم أنْفِق يُنْفَق عليك”، وقد قيل: صنائع المعروف تقي مصارع السّوء، قال ابن عباس: صاحب المعروف لا يقع فإن وقع وجد متكئًا. وعن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ من النّاس مفاتيح للخير مغاليق للشرّ، وإنّ من النّاس مفاتيح للشّرّ مغاليق للخير، فطوبى لمَن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمَن جعل الله مفاتيح الشّرّ على يديه”. ولصنع المعروف آداب منها شكر الله عزّ وجلّ أوّلاً، وشكر صاحب المعروف، فعن أسامة بن زيد قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “مَن صُنِع إليه معروف فقال لفاعله جزاك الله خيرًا فقد أبلغ في الثّناء”. وإخلاصه وإسراره بالعمل وعدم انتظار العوض من النّاس، قال تعالى: “إنّما نُطْعِمُكُم لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيد منكم جزاءً ولا شكورًا” الإنسان:9. وأن يُبذله لمَن يستحقّه ويحتاج إليه من إنسان أو حيوان، أن يبذله للبرّ والفاجر بل والكافر، فعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال صلّى الله عليه وسلّم: “لا يغرس مسلم غرسًا ولا يزرع زرعًا فيأكل منه إنسان ولا طائر ولا شيء إلاّ كان له أجر”. وأن يبادر إلى حاجة أخيه ولو لم يطلبها منه، جاء مديون إلى سفيان بن عيينة يسأله العون على قضاء حاجته، فأعانه ثم بكى، فقالت له زوجته: ما يبكيك؟ فقال: أبكي أن أحتاج أخي فلم أشعر بحاجته حتّى سألني. كلية الدراسات الإسلامية قطر