المادة الدستورية التي وردت على لسان بوتفليقة يعرفها هو أكثر من غيره، لأنه عدّلها في 12 نوفمبر 2008 لإلغاء ما كان يمنع الترشح لأكثر من عهدتين. أما مادة القانون العضوي رقم 12-01 المؤرخ في 12 جانفي 2012 المتعلق بنظام الانتخابات، التي ذكرها، فتتضمن تحديد المواصفات التقنية لورقة التصويت! وفي هذه الحالة أيضا، كان ينبغي على بوتفليقة أن يسرد المادة 23 من النظام الداخلي للمجلس الدستوري، التي تقول إن المترشح يودع ملفه لدى أمانة المجلس حسب الشروط المنصوص عليها في قانون الانتخابات. فهل يعقل أن يخلط رئيس الجمهورية القاضي الأول في البلاد، بين مواد الدستور والقانون، فلا يميّز بين شروط الترشح وفتح العهدات الرئاسية، وبين الشروط التقنية لورقة الانتخاب وإيداع طلب الترشح لدى المجلس الدستوري، إن لم يكن فاقدا لقدراته الذهنية!؟ بوتفليقة قال لمدلسي بصوت خافت يكاد لا يسمع: ”يشرفني أن آتي اليوم لأسلّم عليك هنا، ولأضع ملف ترشحي رسميا طبقا للمادة 74 من الدستور والمادة 32 من القانون العضوي للانتخابات”. وقد بدا وهو يردد كلماته وكأنه حفظها قبل أن يدخل إلى المجلس الدستوري ولم يستوعبها، أو أن شخصا كان يمليها ربما عليه في أذنه مباشرة بواسطة سماعة. ولما كان بوتفليقة مصابا بجلطة دماغية وبلغ سنا متقدما، فإن قدرة استيعابه ضعيفة وينعكس ذلك حتما، حسب تفسير مختصين في الطب، على سلامة النطق. بعبارة أوضح يمكن القول، بعد الحالة التي شوهد عليها الرئيس المترشح يوم الإثنين مساء، أنه عجز عن التعبير عن إرادته في الترشح لعهدة رابعة بطريقة سليمة. وهذا يعني أن الرجل لا يملك كامل قدراته الذهنية بسبب المرض الذي يعاني منه. غير أن مختصين في القانون يقولون إن ”السهو” أو ”الخطأ” الذي وقع فيه بوتفليقة، ليس له أي تبعات قانونية. وذكر أحدهم مفضلا عدم نشر اسمه: ”المهم أن الرئيس حضر بنفسه إلى المجلس الدستوري لإيداع ملف ترشحه، فهذا شرط قانوني التزم به. أما أن يكون متحكما في مواد الدستور والقوانين، فذلك لا علاقة له بترشحه من الناحية القانونية”. وفي كل الأحوال لا يعكس الالتباس الذي وقع فيه الرئيس، التطمينات التي قدمها الوزير الأول عبد المالك سلال في نفس اليوم الذي توجه فيه بوتفليقة إلى المجلس الدستوري. فقد قال بمجلس الأمة إن ”صحة الرئيس عادية”، وظهر أنها ليست كذلك. بل إن غير العادي في صحة الرئيس كان باديا منذ مدة، والدليل أنه لم يعلن عن ترشحه بنفسه وإنما على ألسنة موالين له. ولم يخاطب أنصاره ومريديه في مهرجان كما فعل في ترشيحاته الثلاثة السابقة. ولم يشاهد يدخل إلى المجلس الدستوري على رجليه عكس بقية المترشحين. بمعنى أن الإعاقة الحركية التي يعاني منها بوتفليقة، واضحة ولا يمكن إخفاؤها. بقي، بعد كل ما لوحظ على بوتفليقة في موضوع الترشح، أن يعرف من هم الأطباء المحلفون الذين حرروا بإيديهم الشهادة الطبية التي يفترض أنه وضعها في ملف الترشح، والتي يشهدون فيها أنه يتمتع بكل قدراته الجسمانية والعقلية التي تسمح له بآداء مهامه كرئيس للجمهورية. فهل الشخص الذي يعجز عن التعبير عن إرادته في الترشح بطريقة سليمة، يصلح أن يكون رئيسا؟ هل يمكن الحديث عن تزوير الشهادة الطبية وما يترتب عنها من متابعة جزائية؟ هل وصل الهوس بالعهدة الرابعة إلى درجة الدوس على القانون وتزوير الحقيقة؟! والأهم من ذلك، هل يمكن إثارة المادة 88 من الدستور من جديد بعد الحالة التي ظهر عليها سابع الرؤساء؟