روى الترمذي عن أبي برزة الأسلمي أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: ”لا تزول قدمَا عبدٍ يوم القيامة حتّى يسأل عن عمره فيما أفناه، وعن علمه فيما فعل فيه، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه، وعن جسمه فيما أبلاه”. كما أنّ المرء مسؤول عن لسانه أن يلغ في أعراض البُرآء أو أن ينقل الأراجيف والشّائعات ضدّ الصُلحاء، وعن قلبه أن يحمل الضغينة والشّحناء، والغلّ والحسد والبغضاء: ”إنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً” الإسراء 36. المسؤولية الأسرية في تربية الأجيال وفي إطار المسؤولية الجماعية يأتي دور البيت والأسرة في حمل مسؤولية التّربية الإسلامية الصّحيحة للأجيال المسلمة، ومسؤولية المجتمعات في النّهوض بالأفراد، ودور الإعلام في تهذيب الأخلاق والسّلوكيات. إنّ مسؤولية تربية الأجيال وإعداد النّساء والرّجال مسؤولية عظمى، وإنّ قضية العناية بفلذات الأكباد وثمرات الفؤاد من النشأ والأولاد قضية كبرى يجب على أفراد المجتمع الإسلامي أن يولّوها كلّ اهتمامهم، لأنّ مقومات سعادتهم -أفرادًا ومجتمعات- منوطة بها. وإنّما أولادنا أكبادنا فلذاتنا تمشي على الأرض. والبيت لا يبتنى إلّا له عُمد ولا عماد إذا لم ترس أوتاد فعلَى الأسرة أن تجتهد في تصحيح سلوكيات أبنائها، وغرس المُثُل الإسلامية في نفوسهم، وتأصيل الأخلاق الحميدة الّتي جاء بها ديننا الحنيف، وليكن الأبوان قدوة حسنة لأبنائهم، فلا يكون هناك تناقض بين ما يمارسونه من سلوك عملي، وبين ما ينصحون به أبناءهم في ظلام وكلام نظري. وينشأ ناشئ الفتيان فينا على ما كان عوّده أبوه، وإنّها لمسؤولية عظيمة أن يبني الأبوان شخصية أبنائهم على أساس العقيدة والاعتزاز بمبادئهم وتراث أمّتهم، محاطين بالإيمان والهدى والخير والفضيلة، أقوياء في مواجهة المؤثرات المحيطة بهم، لا ينهزمون أمام الباطل ولا يضعفون أمام التيارات الفكرية الزائفة. كما تتضمّن المسؤولية الأسرية، حُسنُ العشرة بين الزّوجين، والقيام بالواجبات وأداء الحقوق والتّعاهد على التّربية، يقول سبحانه وتعالى: ”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ” التّحريم:6. مسؤولية المجتمع في الحفاظ على سفينة الأمّة وتقع على المجتمع مسؤولية كبرى في الحفاظ على سفينة الأمّة، وفي تعميق الرّوابط فيما بين أفرادها من التّواد والتّراحم والأخوَّة والتّفاهم، انطلاقًا من الرّكيزة الإيمانية لا من المَصالح الدّنيوية والعلاقات المادية، ولقد عُني الإسلام بالمجتمع وتشييد أركانه، بصورة متماسكة في بنيانه أمام الأفكار المسمومة والآراء المذمومة والمخطّطات الهدّامة. فمِن أوجه العظمة في دين الله الإسلام، أنّه جاء بما يزرع النّظرة الكريمة للمجتمع في النّفوس، عن جابر رضي الله عنه أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم قال: ”خير النّاس، أنفعهم للنّاس”، أيًا كان دين أو ملّة أو مذهب هؤلاء النّاس، والمنتفع أو مقدّم النّفع، لأنّهم جميعًا عباد الله، وأحبّهم إليه، أكثرهم نفعًا للنّاس بنعمة يسديها أو نقمة يزويها عنهم دينًا أو دنيا. ومن مقتضى الخيرية للأهل، أي المجتمع ككلّ، أنّ صاحب الثّروة لا يظن بها على أبناء مجتمعه، أيًّا كان نوع هذه الثّروة –مادية أو معنوية– طالمَا في استعمالها ما يعود بالنّفع على الجميع، فكما أنّ صاحب المال ينفقه لتيسيير أمور الحياة المادية، فإنّ صاحب العلم يبذله لمَن يطلبه بقصد الانتفاع به، فيما يصلح شأنه في الدّين والدّنيا. إنّنا في أيّامنا المعاصرة، في حاجة ماسة لتعميق النّظرة الاجتماعية، فقد ضاقت سبل العيش على كثير من عباد الله، لتغيّر الزّمن والحال، وأصبح من الواجب على الأغنياء تفعيل الوظيفة الاجتماعية للمال، واستخدامه في الأغراض العامة الّتي تعود بالخير على أبناء المجتمع، ومِن فضل الله أنّ شريعة الإسلام السّمحاء قد جاءت بالعَديد من الوسائل الّتي تعين على تحقيق هذه الوظيفة، وعلى رأسها الزّكاة بأنواعها وصدقة التّطوع والكفّارات والوصايا والأوقاف، وصِلة الأرحام والإحسان إلى الجيران ومساعدة الضّعيف وإغاثة اللّهفان، وغير ذلك من القُرُبات والطّاعات الدّينية، وما على المسلم إلّا أن يقبل على فعلها، وله الجزاء العاجل في الدّنيا من النّاس، والجزاء الأوفى من الله تعالى في الآخرة. ومن المسؤولية مسؤولية الحاكم، فالهدف الأساسي من نظام الحكم هو حماية الأوطان والدّين والوفاء باحتياجات النّاس، عن طريق تطبيق مبادئ الشّورى والمساواة والعدالة والحرية.. وهذا ما ينبغي أن تدركه الأمّة الإسلامية لتعرف حقيقتها وقيمتها وتضطلع بمسؤولياتها، وتعرف أنّها أخرجت لتكون في مقدمة الأمم لتكون لها القيادة، لأنّها خير أمّة أُخْرِجَت للنّاس. كلية الدراسات الإسلامية قطر