تشهد الساحة السياسية في الآونة الأخيرة نقاشا حادا، حول دعوة بعض شخصيات الحزب المحل “الفيس”، إلى مناقشة مسودة الدستور، فهناك من اعتبر الأمر تراجعا خطيرا عن مسار أصر عليه النظام وكلّف الجزائريين آلاف الضحايا منذ التسعينات، بعد إقصاء عناصر الحزب من أي عمل حزبي ومنعهم من أي نشاط سياسي. بينما يتبنى البعض أطروحة الأمين العام لحزب العمال لويزة حنون التي ترى أن الجزائر تكفل الحق في العمل السياسي لكل أبنائها. إن اعتبرنا أن النظام جاد في فتح المجال لكل الجزائريين لإثراء مسودة الدستور، فإن عليه أن يتحمل تبعات هذه الخطوة حاضرا ومستقبلا، وأن يحسب لها ألف حساب، ليس لأن “الفيس” كان طرفا في المأساة الوطنية فقط، بل لأن السماح بعودته هو بمثابة إعادة فتح ملف العشرية السوداء بكل قضاياها، خاصة أن الشعب قد صوت على ميثاق السلم والمصالحة الوطنية على أسس وقواعد وشروط معينة، السلطة تدركها جيدا، بالإضافة إلى فتح جرح من المفروض أن يكون قد عولج. بالرجوع إلى ممارسات النظام، فالجميع يعلم أنه لم يكن يوما صادقا مع الشعب، بل فقط مع قناعاته وتوجهاته وحساباته من أجل المصلحة الضيقة للطغمة الحاكمة، التي تدرك جيدا خاصة بعد الانتخابات الرئاسية، أنها فاقدة للشرعية مع ارتفاع نسبة المقاطعين، وتريد أولا أن تستعيد شرعيتها بالسماح لأفراد الحزب المحل بالظهور، وبالتالي ربح قاعدته الشعبية، وثانيا فإن النظام الذي عبث في مقدرات الجزائريين سيواجه لا محال أزمة مالية مستقبلا أمام اقتصاد ريعي هش، قد ينهار في أي لحظة، ما سيصعب عليه شراء السلم الاجتماعي وأيضا المطبلين والتابعين، ويقوي من جهة أخرى الطبقة السياسية التي تحاول أن تتبلور في معارضة حقيقية مقبولة ومحترمة من طرف الشعب، لتعيد القاطرة إلى سكتها. يريد النظام بهذه الخطوة أن يفرغ هذه الأحزاب من جزء من قاعدة “الفيس” التي توجهت إليها بعد حل الحزب، فيضرب عصفورين أو أكثر بحجر واحد.. إسكات جماعة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جهة وخلق الانقسام داخل التيار الإسلامي الذي بدأ يتكتل من جهة أخرى، ووضع المعارضة في حالة صراع وشك، بالإضافة إلى مواصلة فكرة التخويف من المستقبل التي يلعب عليها النظام منذ الانتخابات الماضية.. النظام يخلق هذا الواقع مجددا، لكن لن تكون له القدرة مستقبلا على التحكم فيه، ودرس سنة 1988 ما زال قائما إلى اليوم.. فالنظام يريد أن يبني شرعيته على آثار الحزب المحل، كما بناها منذ 15 سنة على آثار الأزمة الأمنية والعشرية السوداء، نظام يهرب تارة إلى الأمام وتارة إلى الوراء، فقط من أجل أن يحافظ على مكتسباته ويربح مزيدا من الوقت والمواقع ويكرّس نفوذه ولا يترك أية ثغرة لأي محاولة جادة للوقوف في وجهه.. [email protected]