بعد الانتقادات التي لحقت بحزمة الإصلاحات الأولى السلطة بمقدورها تدارك نقائصها في الدستور المقبل تنظر العديد من القوى الفاعلة في الداخل والخارج، أن مناسبة تعديل الدستور، تعتبر محطة أمام رئيس الجمهورية لإعطاء دفع آخر للإصلاحات السياسية بعدما أثبتت قوانين الإصلاح السابقة محدوديتها نظريا وميدانيا، بدليل أن أغلب الأحزاب وصفتها ب ''الفاشلة'' ولم يقف الشركاء في الخارج سوى على قضية رفع ''كوطة'' المرأة في البرلمان، مما يعني أن الكرة في مرمى السلطة لتخرج كل ما في جعبتها، لأن سقف المطالب الشعبية لم يعد حبيس الزيت والسكر مثلما قيل غداة أحداث جانفي 2011 بقدر ما ارتفع سقفه الى الشفافية في تسيير الشأن العام والمحاسبة في صرف المال العام والعدالة في توزيع الثروة وفرز صلاحيات مؤسسات الدولة وتحديد المسؤوليات بدقة لمعرفة ''المحرم من المجرم''، وهي كلها مطالب وصلت الى مسامع وأذان أعلى السلطات في البلد، لأنها كانت محور نضالات للشعب في الشارع في كل ربوع الجزائر. باستثناء رفع تمثيل المرأة في البرلمان كإجراء ملموس، فإن شركاء الجزائر في الخارج وشركاء السلطة في الداخل، لم يسجلوا تغييرا ملفتا للانتباه في الإصلاحات السابقة التي أقرها رئيس الجمهورية، وهو ما يعني أن محطة التعديل الدستوري الجاري تحضير مشروعه، تمثل فرصة أمام السلطة لتدارك ما فات والخروج من حالة ''ستاتيكو'' التي يعيشها البلد. مثلما لم يغيّر رفع حالة الطوارىء التي امتدت قرابة ال 19 سنة، في شىء من السلوكات التي كانت تعتمدها السلطة في رفضها للرأي الآخر بمبرر تطبيق حالة الطوارئ، مثلما لم تضف حزمة القوانين السابقة التي صنفت في ''خانة الإصلاحات''، أشياء جديدة في الساحة السياسية عما كان معمولا به من قبل . فالتضييق على الحريات ومنع المسيرات والمظاهرات واستعمال قوات الأمن في محاصرة الحراك الاجتماعي والنقابي مازالت قائمة، حتى وإن فتحت وزارة الداخلية الباب بعد غلق دام 10 سنوات لاعتماد أحزاب جديدة ب ''طريقة ألبسة البالة''، في انتظار السماح لفتح تلفزيونات خاصة، وهو الملف الذي تسيره السلطة ب''التقطير''. بالاختصار المفيد كل ما حققته السلطة من ''إصلاحات'' طيلة سنتين، لا يتعدى مسألة رفع ''الكوطة'' لتمثيل النساء في البرلمان، وهو الإجراء الملموس الوحيد الذي وقف عنده مقيمو إصلاحات بوتفليقة في الخارج والداخل. هل السلطة مطالبة بالذهاب في إصلاحاتها أبعد مما تم اتخاذه إلى حد الآن؟. لم تقتصر هذه الدعوة على الطبقة السياسية في الداخل، وخصوصا المعارضة منها، بل جاءت الدعوات من الشركاء والعواصم الكبرى في الخارج التي طالبت ب ''المزيد'' وتراقب عن قرب كل خطوات السلطة التي تنفست الصعداء من مرور سحابة ''الربيع العربي'' عليها، ولكنها حاولت النوم في ''الخط'' عن التزاماتها ب''الإصلاح'' بمجرد أن خف الضغط عليها مؤقتا. وتعد محطة التعديل الدستوري، وهو أهم مشروع في برنامج الإصلاحات، مسألة حيوية في تقييم ''نوايا'' السلطة وطريقة تعاطيها مع المطالب السياسية والاجتماعية والاقتصادية المعبر عنها من قبل الجزائريين، سواء من خلال الأحزاب أو النقابات أو تنظيمات المجتمع المدني التي ما فتئت تطالب بمزيد من الحريات والشفافية والحكم الراشد والعدالة الاجتماعية، وتريد أن ترى ذلك مجسدا بوضوح في وثيقة التعديل الدستوري. فهل تتبنى السلطة هذه الانشغالات عن قناعة وتقدم وثيقة دستورية في المستوى؟ أم أن الأمور تحتاج إلى درجة كبرى لأنه ليس بمقدورها إخراج ''الحي من الميت''؟ الكرة في مرمى السلطة لإعداد دستور عصري يعطي النقلة المطلوبة لبلد مثل الجزائر، لديه من الإمكانيات ما يجعله ضمن مجموعة ''البريكس'' وليس في ذيل الترتيب في التصنيفات الدولية تقريبا في كل المجالات، وما يدفع لذلك أن الجزائر التي ضيّعت الكثير من المحطات في الماضي لا تملك هذه المرة هامشا للمناورة لتضييع الانطلاقة، لأنه ما يأتي بعدها يسمى السقوط الحر. الغلق الذي مارسته في عهد بوتفليقة فعل فعلته السلطة تضع الطبقة السياسية أمام الأمر الواقع لا تبدي السلطة برأسها عبد العزيز بوتفليقة، إرادة في إحداث تغيير ولو شكلي يبعث الروح في الممارسة الديمقراطية التي توقفت بعد ثلاث سنوات من إقرار ''دستور الحريات'' .1989 في المقابل لا تملك الطبقة السياسية أحزابا وجمعيات، الثقل الذي يدفع السلطة إلى التوقف عن السير ضد مجرى التاريخ والأحداث. لا يمكن لصاحب مشروع تعديل الدستور أن يكون صادقا في مسعاه، إن لم يوسّع في هوامش ممارسة الحرية ويشيع الديمقراطية. ولن يكون التعديل ذا معنى يذكره التاريخ، إن لم تتنازل مؤسستا الرئاسة والجيش بذراعه الأمني، وهما الأقوى في الدولة، عن سلطاتهما غير المحدودة لفائدة هيئات الرقابة على المال العام وآليات الحدَ من تغوّلهما، كالبرلمان والقضاء والمجلس الدستوري والأدوات الأخرى كمجلس المحاسبة والمفتشية العامة للمالية. ولن يكون للتعديل الدستوري أي معنى إن لم يضع حدا زمنيا لإقامة الرئيس المنتخب في قصر المرادية. وإذا كان صاحب أو أصحاب مشروع التعديل يدركون أن مصداقية مسعاهم تتوقف على توفر هذه العناصر، كان ينبغي أن يكشفوا عن نواياهم بصراحة إن كانت الخطوة ستتضمن نقلة حقيقية إلى الديمقراطية. ولكن بدل أن يعرضوا مشروع التعديل على النقاش العام للأخذ برأي الفاعلين في المجتمع، أنشأوا لجنة تقنية تتكون من خمسة ''خبراء'' لإعداد صياغة قانونية لنص يفترض أنه سياسي، حدد سلفا تسوية بين أكبر مؤسستين في البلاد، تتقاسمان كل السلطات في الدولة. وبما أن الرئيس، صاحب مشروع التعديل في الظاهر، صامت بخصوص مضمون المشروع، وبما أنه فضّل تكليف لجنة بإعداد اللباس الخارجي للنص الذي سيخضع للتعديل بعيدا عن الأضواء، يعني أن السلطة وضعت الطبقة السياسية أمام الأمر الواقع. فهي مجبرة على التعامل مع النص الجديد كيفما كان، تماما مثلما حدث في 2008 عندما أهدى بوتفليقة لنفسه عهدة ثالثة. لنتصور كيف ستكون ردود الأفعال لو أن مبادرة سياسية في أهمية تعديل الدستور، تمت في مجتمع ديمقراطي كبريطانيا أو السويد دون أن يطرحها المسؤولون في الدولتين على نقاش واسع، ودون حتى أن يظهروا إلى العلن لشرحه والدفاع عنه؟!!. وتفهم سياسة الأمر الواقع المتبعة من طرف النظام بخصوص تعديل الدستور، على أنها استفزاز للأحزاب والنقابات والجمعيات والشخصيات، التي تم تغييبها في مشروع التعديل الذي لا يعرف أي شيء عنه. فهل تريد السلطة قياس مدى قدرة الطبقة السياسية على تشكيل ضغط عليها يدفعها إلى الاستجابة لمطلب التغيير الحقيقي؟ أم هي تعرف جيدا أن الغلق الذي مارسته في عهد بوتفليقة، كان محكما إلى درجة يجعل من المستحيل إعادة بناء طبقة سياسية قوية في أجل قصير قادرة على إجبار التافذين في البلاد، على إدخال تغيير على الدستور حامل للديمقراطية والحرية حقيقة ، وأن يعهد هذا التغيير لأشخاص مستقلين عن السلطة يتصفون بالنزاهة الفكرية؟ هل بإمكان ما يعرف ب''مجموعة ال''12، المتكونة من كيانات نصف عددها كان ''طبالا'' لسياسات بوتفليقة طيلة 14 سنة، أن تفرض أي ضغط على السلطة لحملها على إحداث التغيير الحقيقي؟. الجزائر: حميد يس نقاش مصطفى بوشاشي الحقوقي النائب عن الأفافاس ل ''الخبر'' ''طريقة تعديل الدستور تسلطية وتحتقر ذكاء الجزائريين'' هل تعتقد أن هناك إمكانية لتدارك نقائص الإصلاحات من خلال تعديل الدستور المقبل؟ لا أعتقد أن هناك نية حقيقية لتعديل الدستور ليكون تعبيرا عن إصلاحات وتطلعات الشعب الجزائري، تجربة ال15 سنة الماضية أثبتت أن كل وعود الإصلاح كانت تراجعا للخلف، من إصلاح العدالة إلى إصلاح الإدارة وإصلاح المنظومة التربوية، إلى القوانين المختلفة، جميعها كانت في خدمة النظام السياسي وليس في خدمة الجزائر والشعب والديمقراطية. فالطريقة التي تنتهجها السلطة لهذا التعديل أو إعادة النظر في الدستور لم تكن أبدا محل مشاورات شفافة والآلية التي وضعت للإستماع إلى الأحزاب السياسية والمجتمع المدني كانت مجرد آلية في يد الشخص الذي قام بتعيينها ماذا تقترحون على لجنة صياغة الدستور لتتكفل به؟ لا يمكن اقتراح أي شيء ما دامت الطريقة التي تقرر من خلالها تعديل الدستور لن تؤدي إلى أية إصلاحات تذكر، فوضع الوثيقة السياسية الأولى للتعديل في العادة تكون في الجزائر عبارة عن ترجمة للتوازنات السياسية داخل النظام أكثر منها تعبير عن تطلعات الشعب الجزائري. في عادة الدول المحترمة يتم وضع الوثيقة الأساسية للتعديل وهي الدستور ثم التشريعات. أما اليوم في الجزائر، فقد وضعت قوانين سميت إصلاحات ثم يعدل الدستور و هذا أمر غير منطقي تماما. في رأيك ما هي التوازنات التي تميّز هذه المرحلة والتي يمكن من خلالها معرفة التعديل المرجو؟ لا أستطيع التكهن، لكنهم يتحدثون عن عهدة رابعة وعن منصب نائب للرئيس، الشيء الأكيد أننا لا نعرف ماذا يطبخ للجزائريين مستقبلا، وهذا عمل تسلطي بأتم معنى الكلمة، وحتى تعديل الدستور في حد ذاته ليس حاجة ملحة. الغريب أن التعديل عندنا يتم كلما اقتربت الرئاسيات، لقد عدّلوه قبل خمس سنوات لفسح المجال لعهدة ثالثة وكان ذلك خرقا فاضحا لفكرة الديمقراطية ومسّ بمصداقية الجزائر والمؤسسات القائمة. هناك احتقار كبير لعقل الجزائريين وذكائهم بالذهاب إلى تعديل الدستور في نفس الظروف وهي الرئاسيات وهذا يظهر الجزائر كدولة غير جادة، زد على ذلك أن القضية في الجزائر لا تتعلق بالدساتير والتشريع الذين تعتبرهم السلطة مجرد حلة تلبسها في المحافل الدولية، لكن الحقيقة أن أغلب التصرفات والقرارات في البلاد لا ترتكز على التشريع وإنما تؤخذ خارج المؤسسات وخارج القوانين وخارج المؤسسات. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة فاروق قسنطيني رئيس اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان ل''الخبر'' الجزائر بحاجة لدستور يعيش نصف قرن يصف فاروق قسنطيني، رئيس اللجنة الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فرصة تعديل الدستور الذي قرره رئيس الدولة ب''المصيرية'' بما أن الإصلاحات السياسية التي باشرتها الجزائر منذ عامين لم تحقق الإجماع الكافي. وبرأي قسنطيني، فإن الهدف من التعديل ليس تمديد حكم الرئيس وإنما معالجة مشكلات حقيقية في الوثيقة الأولى للبلاد. هل ترى أن هناك إمكانية لتدارك نقائص الإصلاحات، من خلال تعديل الدستور المقبل؟ صحيح أن الإصلاحات التي قامت بها الدولة على قوانين البلاد لم تحقق إجماعا كبيرا بما أن كبرى الأحزاب كان لها يد في تعديلها، المهم اليوم أننا نتمنى أن تراجع النقائص المسجلة وفق ما هو مقترح من رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، وشخصيا أعتقد أنه حان الوقت للمراجعة الجدية للقانون الأول للبلاد لأنها الفرصة الأخيرة في اعتقادي حتى نوفق بين سياق الأحداث وسياق الزمن. ما هي القضايا التي تراها اللجنة الاستشارية لحقوق الإنسان ضرورية ولم يتم التكفل بها في الإصلاحات السياسية قبل عامين؟ فيما يخصني شخصيا أتمنىأن يتحسن دور البرلمان بموجب تشريع دستوري واضح وأن يتوسع دور المجلس أيضا ولا يكتفي بدور غرفة التسجيل، حان الوقت لأن يلعب المجلس الشعبي الوطني دوره في نظام أفضله شبه رئاسي الذي أعتقد أنه الأنسب للجزائر في المرحلة الراهنة، يجب أن ندرك أننا عشنا انحرافات خطيرة في مرحلة العشرية السوداء و الأحزاب لم تلعب دورها في الحياة السياسية وكل هذا يحتاج لمراجعة شاملة. يؤلمني أن أرى ما يحدث في حزب مثل جبهة التحرير الوطني، حيث لا يوجد على رأسه أمين عام، ونفس الملاحظات تقريبا فيما يخص الأحزاب الأخرى. هل تتصور أن تعديل الدستور المقبل الهدف منه ترتيب التمديد للرئيس بوتفليقة فقط؟ لا أظن أن القصد بالتعديل هو عهدة رابعة للرئيس بوتفليقة، الدستور ليس بذلة تفصّل على مقاس شخص، بل تفصّل للجزائر وللمستقبل ول28 مليون جزائري، وانطلاقا من هذه الفكرة أتمنى أن يرتكز عمل لجنة مراجعة الدستور. الجزائر بحاجة لدستور يستغرق على الأقل 50 أو 60 عاما أو أكثر، وأن يضمن توازنا حقيقيا للسلطات الثلاث، إن تحقق ذلك فلا خوف على ملف حقوق الإنسان، إضافة للمبادئ الأساسية وخاصة استقلالية القضاء الذي يعتبر عمود الديمقراطية. الجزائر: حاوره عاطف قدادرة