السلطة تستدعي الأحزاب والشخصيات الوطنية والمجتمع المدني مرة أخرى لمناقشة مسودة أخرى للدستور وإثرائه. وهي ثاني مرة في ظرف سنتين يكلف رئيس الجمهورية أناسا لتلقي الاقتراحات حول الدستور الذي وعد به الجزائريين، والقوى الأجنبية عشية اهتزاز الشارع العربي في ربيع 2011 عندما وعد بمنح الجزائريين دستورا آخر بإصلاحات معمقة وكأنها صياغة دستور جديد. ومرت الأيام واستقبل الرجل الثاني بن صالح من استقبل واستمع لمن استمع، وجمعت الاقتراحات، وسلمت إلى لجنة لصياغتها. وقال الوزير الأول عبد المالك سلال، السنة الماضية، إن مسودة الدستور جاهزة وستسلم إلى رئيس الجمهورية، لكن يبدو أن مرض الرئيس عطل تبني هذه المسودة وطرحها على غرفتي البرلمان ثم جاءت الرئاسيات وما سبقها من اهتزاز للساحة السياسية، ويبدو أن تلك المسودة سقطت في سلة المهملات ولم تعد تعني أحدا. اليوم تدعو السلطة “الناس” من جديد إلى وليمة الدستور، لكن أغلبهم رفض تلبية الدعوة، وهم محقون في ذلك، ليس لأننا بحاجة إلى صياغة دستور يبين صلاحيات المؤسسات ويفصل بين السلطات مثلما هو معمول به لدى أعرق الديمقراطيات، بل لأن السلطة بدت غير جادة في هذا المسعى، فكيف لهؤلاء تلبية دعوة وتقديم اقتراحات قدموها قبل اليوم ورمتها السلطة جانبا، إن لم يكن في الأمر إن؟ أين هي الاقتراحات التي قدمها هؤلاء، ولا نعرف عنها شيئا باستثناء ما نشره أصحابه في الصحف الوطنية؟ أليست تلك الاقتراحات كافية وإن كانت ناقصة ليفتح النقاش حولها، لأن إهمالها يعني عدم جدية السلطة وكأنها لا ترغب في إعطاء البلاد دستور جديد، بل فقط ربح للوقت وملء للفراغ. باسم ماذا يستدعي عناصر الفيس المحل للمشاركة في النقاش حول الدستور؟ ألم تقولوا إن الفيس خط أحمر؟ نعم قبلنا بالمصالحة على مضض لأنه لا حل لنا غيرها لحقن الدماء، لكن أن تبعد شخصيات وطنية نظيفة من النقاش، ويشارك تائبون في صياغة الدستور، ويخرج بعضهم ويبشر بعودة الفيس بعد الدستور، فإن الأمر لا يبعث على التفاؤل، ومن يدري قد تغسل كل ذنوب هؤلاء، مثلما تغسل ذنوب لصوص قضايا الفساد وتقودنا السلطة إلى وئام وعفو شامل على الفساد؟!