يستعد المخرج الجزائري مرزاق علواش لخوض تجربة إخراجية جديدة تتوغل في عمق المجتمع الجزائري، كما عوّدنا في عديد أفلامه، منها فيلمه الأخير ”السطوح” الذي قدم عرضه الأول في الجزائر في إطار المسابقة الرسمية لمهرجان السينما المغاربية، بعد جولات عالمية. قرّر علواش السفر بنا عبر رحلة ”مدمنو المخدرات”، من خلال فيلم ”مدام كوراج” الذي سيكون جاهزا مع نهاية سنة 2015، كما أوضح، خلال حوار مع ”الخبر”، بأن فيلم ”السطوح” سيكون حاضرا في مهرجان ”ميونيخ” السينمائي الألماني هذا الشهر. لماذا تأخر العرض الأول لفيلم ”السطوح” في الجزائر؟ أنا أيضا أطرح السؤال، لماذا لا يتم التعامل معي كباقي المخرجين، أدرك جيدا أني مخرج مهمّش في الجزائر، لكن هذا لا يمنعني من مواصلة العمل. لم يقترح علي أي مسؤول تقديم العرض الأول لأفلامي في الجزائر، رغم أني أنجز أفلاما بشكل متواصل، وشاركت بهذا الفيلم في حوالي سبعة مهرجانات وسأشارك به أيضا في مهرجان ”ميونيخ” السينمائي بألمانيا هذا الشهر. ويبقى أن أقول إني سعيد جدا بالعرض الأول في الجزائر، في إطار فعاليات مهرجان السينما المغاربية، لأن الفيلم يحكي عن الجزائر وبالتالي فإن معرفة ردة فعل الجمهور الجزائري أمر جد مهم. إذن القرار لم يكن قرارك في النهاية؟ لم تعرض علي أي جهة في الجزائر تقديم فيلم ”السطوح”، هذه أول مرة يطلب مني ذلك. حاولت البحث عن فرصة لتقديم العرض الأول، لكن لا أحد من المسؤولين في الجزائر كان يسأل عن ذلك. اعتاد المسؤولون في الجزائر التصرف مع معظم أفلامي بهذه الطريقة، فلم أتحصل على أي دعم مالي حقيقي من الجزائر في هذا الفيلم. لكن ما أريده حقيقة من الجزائر هو توزيعها وهو الهم الأكبر بالنسبة لي. وقد تحدثت على هامش المهرجان مع المخرج بلقاسم حجاج، مخرج فيلم ”فاطمة نسومر”، حول التوزيع، لكن أين سنوزع الأفلام في الجزائر؟ يرجع البعض هذا ”التهميش” إلى طبيعة الأفلام التي يقدمها مرزاق علواش؟ تطرح أفلامي وجهة نظر حول الواقع الاجتماعي الجزائري، ولا أتحدث عن السياسة. بالنسبة لي، الفيلم الذي لا يتناول إشكالية أو يتطرق إلى المشاكل الحقيقية التي تحاكي الواقع ليس فيلما حقيقيا. أفلامي، على العموم، لا تطالب بالفوضى في الجزائر أو الثورة، ولكن تدعو إلى التفكير في الأمور العميقة. فمن خلال تجربة ”السطوح” أراقب قصص العائلات التي تسكن الأسطح في الجزائر، التي أصبحت فعلا ظاهرة في الجزائر، تشبه حكاية حي ”ديار الشمس” الذي عرف أزمة سكن كغيره من الأحياء في الجزائر. إذن لم تأخذ حقك ومكانتك في الجزائر؟ مكانتي أحققها من خلال العمل، لا أبحث عن فرصة بين الأثرياء وإنما مكاني هو العمل وتقديم الأفلام. أنا أقيم في فرنسا وهذا من حسن حظي، لأن ذلك يساعدني على تقديم أفلامي للعالم، لقد قالوا لي في الجزائر لماذا تبحث عن أموال الخارج لتمويل الأفلام سواء من الدوحةوفرنسا، إجابتي هي أن”السينما اليوم هكذا” ولا تعترف بالحدود. دام تصوير فيلم ”السطوح” 11 يوما، ولا أقول إن هذا الأمر جيد لكن السبب راجع إلى أزمة التمويل، ببساطة لأني أرفض العمل مع الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي التي ضربت علي حصارا، وضغطت لتقليص منحة صندوق ”أفداتيك” لإنتاج فيلم ”السطوح”، لتصل إلى النصف وهي جزء من ميزانية الفيلم، بالإضافة إلى جائزة الدوحة التي تحصلت عليها عن فيلم ”التائب”، ودعم وزارة الثقافة الفرنسية. ورغم أن فيلم ”السطوح” فيلم جزائري وجديد، فقد تجاهله جناح الجزائر بمهرجان ”كان”، ولم يتم وضع ملصقة له. هل يريد المنظمون القول إني ”لا أمثل شيئا”، رغم أني مخرج جزائري قدمت منذ سنوات السبعينيات أفلاما جزائرية منها فيلم ”باب الواد ستي” سنة 1993، وفي ذلك الوقت لم يكن هناك مخرج جزائري يملك الشجاعة للعمل، لقد صورت وتحديت الأزمة الأمنية. سأقول كلمة حق ”أرفض تمويل الوكالة لأفلامي ولا أقبل التعامل معها”.. ويجب أن يقتصر دورها على الترويج للثقافة الجزائرية وليس إنتاج الأفلام. أتمنى أن يتم تعديل ميثاق وزارة الثقافة تجاه هذه العملية، ففي الماضي كان هناك صندوق الدعم السينمائي ”أفداتيك” وهو الأجدر بمهمة إنتاج الأفلام. كيف ينظر المخرج علواش لواقع السينما الجزائرية اليوم؟ هناك جيل جديد من المخرجين الجزائريين، لكن نحن أمام تحدِّ كبير اسمه ”قاعات السينما”، لا يمكن الحديث أبدا عن صناعة السينما في الجزائر مع عدم وجود قاعات للسينما. أعتقد أن هناك مشكلة جديدة في الجزائر هي القنوات التلفزيونية الخاصة التي خطفت التقنيين في مجال السينما، نحن بحاجة لإعادة تأهيل قاعات السينما وتجهيزها وتكوين الكوادر، فمثلا في حي ”لاريتونجي” بالعاصمة هناك حوالي 20 قاعة سينما مغلقة، يجب إعادة ترميمها، كما أن صناعة السينما الجزائرية بحاجة إلى العمل على البرامج التعليمية مع المؤسسات التربوية انطلاقا من الابتدائي لتجاوز عقدة الجمهور. وزيرة الثقافة الجديدة هي في الأصل ابنة المجال السينمائي، هل يجعلك هذا متفائلا؟ اتصلت بالوزيرة الجديدة لتهنئتها، ولم أتواصل معها طويلا. أعرف علاقة الوزيرة الجديدة بالسينما، لكن المشكلة ليست في شخص الوزيرة، لكن في المحيط السينمائي الجزائري. على العموم أنا أعمل ولا أهتم كثيرا بالمسؤولين، لأن الجزائر اليوم بحاجة إلى دور حقيقي للثقافة للخروج من عقلية ”الخبزة”. كنت مهمّشا كثيرا في عهد الوزيرة السابقة خليدة تومي، ولا أدري لماذا. ونصيحتي أنه يجب الخروج من عقلية المناسباتية، ليس بهذه الطريقة التي نحقق صناعة سينمائية جزائرية، لأن مشكلة السينما منذ الاستقلال تكمن في عدم توفر تقنيين متخصصين في مجال الصوت، وللأسف الشباب اليوم لا يهتم بالتكوين في هذا المجال تحديدا. كيف تراقب أداء ابنتك المخرجة بهية علواش؟ ”يضحك”.. بشكل عام الأطفال يريدون ”قتل الأب”.. ! بهية لم تكن في مجال السينما وإنما في مجال الموسيقى، وقد خاضت تجربة إخراج قصيرة، وأنا أحب الشباب ويمكنك ملاحظة ذلك من خلال أفلامي، لأن الشباب هم الروح. هناك العديد من الأفلام التي أخرجها شباب، وأعمالهم تستحق التشجيع، على غرار المخرج كريم موساوي، وطارق تقية وغيرهما، يجب إعطاء الفرصة للمبدعين الشباب. ألم يفكر مرزاق علواش في العودة والاستقرار بالجزائر بشكل نهائي؟ مبتسما.. ”عندما أعود محمولا على نعش”.. أتواجد في الجزائر بشكل مستمر، رغم أني مقيم في فرنسا، لكن السفر يعطيني مساحة لمشاهدة الواقع الجزائري بشكل أقرب، فكل زيارة تدفعني إلى معرفة عمق الواقع الجزائري الذي قد لا يستطيع الجزائري المقيم هنا ملاحظته بدقة، لأنه منشغل بحياته الروتينية. تجربة السفر مهمة لأي مبدع وأنا أتعلم منها، وهي تساعدني في إخراج أعمالي التي سأنطلق معها قريبا في إخراج فيلم جديد من الواقع، كتبت نصه وأعالج فيه قضية ”الإدمان”، بعنوان ”مدام كوراج”، سيكون جاهزا سنة 2015.