رغم أن ندوة الانتقال الديمقراطي لم تجد “الحل” السحري، للأزمة التي تعرفها البلاد، ولم تقدم سوى مقترحات يرى أصحابها أنها تمثل بداية الطريق لكسر حالة الجمود في منظومة الحكم، غير أن تلاقي قيادات معارضة ومسؤولين سابقين في الدولة وشخصيات ظلت “متنافرة” فيما بينها وغير قادرة على الجلوس حول نفس الطاولة مع بعضها، يعد حسب المراقبين في حد ذاته، إنجازا كبيرا بالنظر إلى صعوبة تحقيق ذلك في جو سياسي ظل غير سليم بسبب ممارسات السلطة وسعيها لكسر كل مبادرات النقاش السياسي في البلاد، من خلال المنع والتضييق وشيطنة عمل غير المنتسبين إليها. لكن في الوقت الذي تمكنت المعارضة من تشكيل أقطاب وتكتلات وخلق ديناميكية، مكنت من عقد “ندوة الانتقال الديمقراطي”، في ظرف قياسي، كرد فعل عما جرى في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، لم تستطع في المقابل السلطة المنتشية بفوزها بالعهدة الرابعة، تحقيق أي حركية سياسية في البلاد، فحتى مشروع تعديل الدستور “التوافقي” الذي أرادت به احتواء مطالب خصومها، لم يجلب لها سوى مزيد من الإخفاقات السياسية، بعدما رفض جزء كبير من أحزاب المعارضة التعاطي الإيجابي معه، بحيث وجدت السلطة نفسها تحاور المدعوين والضيوف المنتسبين إليها فقط، وهو الإخفاق الثاني بعد إخفاقها في إقناع أحزاب المعارضة بالانضمام الى الحكومة الثالثة لسلال المنصبة بعد الرئاسيات التي عرفت نسبة مشاركة لم تتجاوز ال51 بالمائة. في مقابل ذلك لم تتمكن السلطة حتى من معالجة الأزمات الداخلية التي يعيشها حزبها الأول، وهو الأفالان الذي تفرقت قياداته ما بين سعداني وبلخادم وبلعياط وعبادة وبن فليس، رغم أن رئيس الجمهورية هو الرئيس الشرفي للحزب الواحد سابقا. وكل المؤشرات تقول إن أزمة الأفالان عميقة باعتراف قيادات فاعلة فيه، وحلها ليست في المدى المنظور، لكونها أزمة ليست بمعزل عن أزمة السلطة، وهو ما جعل القاعدة التي تستند إليها منظومة الحكم هشة بفعل حالة التململ التي تعرفها أحزاب الأفالان والأرندي و”تاج” والحركة الشعبية الجزائرية التي لم يعد بمقدورها تشكيل “تحالف سياسي قوي”، وهو الفشل الذي تجاوزته أحزاب المعارضة التي خطت خطوة في مجال “التقارب” بينها، رغم خلافاتها العديدة، ما عجزت عن تحقيقه أحزاب الموالاة التي كان من المفروض أن تكون المحاور الأول مع المعارضة، لكنها ظلت غائبة عن الساحة وتركت الطريق مفتوحا أمامها لمخاطبة السلطة وأصحاب القرار مباشرة، وهو ما دفع مولود حمروش وهو ابن “السيستام” إلى التأكيد بأن “الحكومة لا تملك قاعدة اجتماعية وسياسية ولا يساندها أي حزب حتى من الموالاة، فقاعدتها الوحيدة، هي الجيش، وهنا تكمن الخطورة، فالجيش ملزم بأن يبقى ويتقوى كداعم للدولة وليس للحكومة”، ويعي حمروش جيدا ما يقوله.