لم تكتف السلطة بتطبيق أجندتها فيما يخص ملف مرض الرئيس الحاضر الغائب، بل قامت أيضا بإدارة ظهرها كليا لكل المطالب الحزبية سواء الداعية لانتخابات مسبقة أو لمرحلة انتقالية أو لتوفير ضمانات لشفافية الاقتراع الخاص برئاسيات ربيع 2014، وهو مؤشر أن أصحاب القرار أغلقوا اللعبة السياسية وأحكموا القبضة الأمنية ولم يعودوا يريدون التشاور ولا تقبُّل النصيحة لا من أحزاب الموالاة ولا من المعارضة. وتكرس هذا التوجه لدى “السيستام” من خلال صم آذانه وعدم تكليف نفسه حتى الإنصات إلى المقترحات المقدمة من قبل أحزاب المعارضة التي ترى أن الجزائر تواجه تحديات خطيرة وتحتاج إلى مرشح قوي للرئاسيات وإلى اتفاق حول ضمانات شفافية الاقتراع تعيد للمؤسسات الدستورية مصداقيتها المفقودة، وهي الرسائل التي بقيت من دون جواب. قامت بتسيير مرض بوتفليقة وأدارت حراك ومطالب أحزاب المعارضة للسلطة أجندتها الخاصة ولا تهتم بمواقف الطبقة السياسية رغم الضغوط التي واجهتها إثر غياب رئيس الجمهورية بفعل الوعكة الصحية التي استدعت بقاءه لأكثر من 80 يوما في الخارج، لم تكشف السلطة عن أي ملامح سياسية عما يجري التفكير فيه وسط “أصحاب الدار” بخصوص المرحلة المقبلة، ما يعطي الانطباع بأن أجندة السلطة والطبقة السياسية بمثابة خطين متوازيين لا يلتقيان. باستثناء ردة فعل واحدة صدرت عن قيادة الجيش وخصت عضو مجموعة ال22 محمد مشاطي الذي طلب التدخل لفك أزمة مرض الرئيس بوتفليقة، فإن الصمت ظل يميز أصحاب القرار في تعاطيهم مع مختلف القضايا والمطالب السياسية التي تداول على طرحها شخصيات وطنية وأحزاب سياسية، على خلفية شلل مؤسسات الدولة جراء غياب الرئيس واقتراب موعد رئاسيات 2014. لقد اتفقت السلطة على تسيير مرض الرئيس “إعلاميا” من خلال ممارسة سياسة “التقطير” والاكتفاء ب “الحد الأدنى”، حتى بعد دخول رئيس الجمهورية من رحلته العلاجية ومواصلته “فترة نقاهة وتأهيل وظيفي” في الجزائر، وكان ذلك من خلال إدارة ظهرها كليا لكل المطالب السياسية التي طرحت في الساحة الوطنية. فالأحزاب التي دعت إلى انتخابات رئاسية مسبقة أو التي نادت بتفعيل المادة 88 أو تلك التي اقترحت مرحلة انتقالية، لم تجد سوى “التجاهل” من سلطة دأبت على رفض كل ما يخرج من غير رحمها جملة وتفصيلا، ولا تكلف نفسها حتى عناء مناقشته أو الرد عليه، وهو ما تجسد بوضوع خلال فترة مرض الرئيس المفاجئ. وعندما تنتقد الأحزاب ما تسميه سوء تسيير السلطة لمرض الرئيس، ففي ذلك إشارة إلى تسلط هذه الأخيرة وانفرادها بكل القرارات الحاسمة دون إشراك أو استشارة لا شركائها الحزبيين ولا خصومها السياسيين، ما يعني أن أصحاب القرار لا يريدون اقتسام سلطة القرار مع أي جهة بما فيها من يسمون بأحزاب السلطة أو التحالف. وبينت تصريحات بن صالح وبلعياط وهم ممثلا حزبي السلطة أو التصريحات الحكومية الصادرة عن سلال أو الوزيرين بن يونس وعمار غول بشأن أزمة مرض الرئيس، أنهم كانوا بعيدين عن المعلومة ولم يكن يُسرب لهم سوى النزر القليل. فإذا كان هذا حال شركاء السلطة ومسانديها من أفراد الطبقة السياسية، فكيف هو الأمر بالنسبة للمعارضة؟. لقد ظل الخطاب الرسمي يرافع من أجل خطورة التحديات المحيطة بالجزائر خصوصا بعد مرض الرئيس، وذلك في محاولة لتجنيد المواطنين ودفعهم لالتزام الهدنة وعدم إثارة الاحتجاجات في هذا التوقيت الحساس. لكن كيف يمكن للسلطة تحقيق ذلك وهي لا تتحاور لا مع أحزاب الموالاة ولا مع المعارضة ولا مع المجتمع المدني، ولا تريد أن تكشف عن أي جواب بخصوص موعد رئاسيات 2014 بالرغم من إلحاح الطبقة السياسية على معرفة تفاصيل هذا الاستحقاق “الغامض” قبل أقل من 4 أشهر لاستدعاء الهيئة الناخبة. وهذا الصمت الذي يلازم دوما أصحاب القرار ليس بوسعه كسر الاعتقاد السائد لدى الطبقة السياسية بأن الرئاسة لن تخرج عن النظام، مثلما هو مقتنع بذلك زعيم جبهة العدالة والتنمية عبد الله جاب الله، وعليه فكل ما تفعله الأحزاب هو مجرد “تضييع وقت”. الأحزاب قدمت كثيرا من المقترحات منذ مرض الرئيس مبادرات لخلافة بوتفليقة والسلطة تصف أصحابها ب “الغربان الناعقة” رغم أن مبادرات الأحزاب السياسية في شأن الرئاسيات المقبلة جاءت متعددة وعلى أرضيات مختلفة منذ مرض الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ما ينفي عنها مؤقتا تهمة غياب المشروع السياسي البديل، إلا أن السلطة لم تعر تلك المبادرات أدنى اهتمام لا بالاستماع ولا بالرفض ولا الموافقة، بل بالعكس تفننت في وصف أصحابها ب“الغربان الناعقة”. وبرزت خلال الأسابيع الأخيرة مبادرات عديدة تبنتها أحزاب سياسية بغرض وضع أفضل الخيارات للانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة ربيع 2014، وكانت أرضية المبادرات مشتركة في البناء على إرث الرئيس بوتفليقة بما أن قناعة ترسخت لدى قطاع واسع من السياسيين أن مرضه الأخير كان تأشيرة مغادرته الساحة السياسية، ومن الواضح أن الأطروحات التي تقدمت بها أحزاب إسلامية وعلمانية بشكل فردي أو جماعي كانت تستهدف تقويض مشاريع السلطة في طرح “السيناريو الجاهز” للاقتراع الرئاسي. ويمكن حصر المبادرات السياسية التي روج لها قادة أحزاب في ثلاثة أرضيات: الأولى قالت برئاسيات مسبقة دون اللجوء إلى مواد دستورية تفرض انتقال السلطة وتسيير رئيس مجلس الأمة لفترة ما بين إعلان الشغور وتنظيم الرئاسيات. والثانية تقول بإقامة فترة انتقالية تحتمل فكرة التسيير الجماعي، وهذا المقترح لم يكن خيارا سياسيا بقدر ما هي نخب أمنية وسياسية مستقلة حاولت إحياء دعوة الرئيس الأسبق ليامين زروال قبل أن يعلن رفضه الذي شاهده ملايين الجزائريين. وجاءت الأرضية الثالثة بعد سقوط المبادرتين السابقتين واعتمدت قائمة مطالب بالنزاهة وتوفير الضمانات الكافية لتنظيم الرئاسيات. فقيادة حركة مجتمع السلم طرحت مبادرة للإصلاح السياسي تتضمن تقديم مرشح توافقي بين الأحزاب الوطنية والإسلامية، وكانت حركة مجتمع السلم قد انطلقت بالسرعة القصوى مباشرة بعد مرض بوتفليقة وطالبت بضرورة انتقال السلطة لكنها سرعان ما عدلت “البوصلة” وباتت تروج لمطالب الضمانات في الرئاسيات، فيما قدمت قيادة حزب جيل جديد مبادرة الرئاسيات المسبقة شهر ديسمبر المقبل، وأعلنت جبهة التغيير عن مبادرة وفاق وطني بين التيارات السياسية تنص على تقديم مرشح توافقي بين التيارات الإسلامية والعلمانية والوطنية، فيما سعى قياديون في حزب جبهة التحرير الوطني لإنشاء “قطب وطني تقدمي” مشكل من أربعة أحزاب جزائرية من الموالاة لدعم مرشح التيار الوطني ضد المرشح المحتمل ل“قطب الإسلاميين” في الرئاسيات المقبلة، ومبدئيا حاول أصحاب المبادرة إما دعم الرئيس بوتفليقة لولاية رابعة، أو دعم مرشح مستقل من محيط إحدى الأحزاب الأربعة وهي الأفالان والأرندي وتاج والحركة الشعبية الجزائرية. جميع هذه المبادرات لم تحظ باهتمام السلطة التي يبدو أنها تسير نحو سيناريو متجدد لفكرة مرشح الإجماع الوطني، ويعني هذا أن الرئاسيات المقبلة محسومة سلفا، ومبدئيا هذا ما يفسر اللهجة المتشددة من وجوه السلطة تجاه مبادرات أصحاب تلك المبادرات بنعتهم ب“الغربان الناعقة” و”عديمي الأخلاق”. حوار المكلف بالإعلام في حركة النهضة محمد حديبي ل“الخبر” السلطة تبذل قصارى جهدها لعزل الشعب عن الحكم السلطة تطبق أجندتها في الرئاسيات وتدير ظهرها لمطالب الأحزاب مثل الانتخابات المسبقة والمرحلة الانتقالية وتوفير ضمانات لشفافية الاقتراع. ما قراءتك لإغفال السلطة هذه المطالب؟ هي رسالة واضحة من السلطة أن الإرادة الشعبية ليست في أجندتها ومبدأ أن الشعب مصدر السلطات ألقت به خلف ظهرها، فهي لا تؤمن بمبادئ الجمهورية، والسلطة اليوم في زمن الحريات والديمقراطية تغتال الديمقراطية بسياسة اللامبالاة وفرض سياسة الأمر الواقع لإنجاح خطتها والمتمثلة في عدم وصول الشعب إلى سدة الحكم مهما كان لون الإرادة الشعبية السياسية، وللأسف السلطة قامت بضرب الطبقة السياسية الجادة وبتفتيت البيت الواحد وزرع الفتن بين مكونات الشعب الجزائري لكي يفرغ لها الجو لتفعل ما تريد. والسلطة الآن في أجندتها إرضاء الخارج وليس إرضاء الشعب. هل ترى أن الأحزاب تتحمل جزءا من المسؤولية لأنها لم تضغط كما يجب على السلطة لافتكاك مطالبها؟ أعتقد أن الأحزاب الجادة تتحمل جزءا من المسؤولية إن لم تفكر في إطار الكل وإيجاد مخرج جماعي للأزمة السياسية التي أوصلنا إليها النظام. ولا خيار للخروج من الأزمة إلا بتوحيد قوى المعارضة مهما كان لونها وبرنامجها وأجندتها إلى أرضية واحدة للجميع لمواجهة مخططات توريث السلطة للفساد والنهب والقهر الاجتماعي. ولذلك فالسلطة لا تلقي بالا للعملية السياسية لأنها تتحكم في مؤسسات الجمهورية النظامية والقضائية والإعلامية تنفذ بها ما تريد وتوظفها ضد أي تحول ديمقراطي حقيقي يعيد للشعب سيادته المسلوبة من قبل سلطة التزوير. وما يزعج السلطة، المواقف الدولية، حيث تريد الحفاظ على شهادة الاعتراف الدولي لها مهما كلفها الأمر، وتعتمد في ذلك على رهن الثروات ومقدرات البلد للشركات العالمية المتعددة الجنسيات. لكن الأحزاب نأت بنفسها عن الدخول في صراع مع السلطة؟ السلطة تضرب الأحزاب الجادة بشتى الطرق وتشوه الفعل السياسي لدفع الشارع للاستقالة من التغيير السلمي من خلال المؤسسات الحزبية، في مقابل ذلك قامت بتجميد جهاز أحزابها خوفا من أي انزلاق خارج إرادتها وسممت الحقل السياسي بحزيبات نفخت فيها لكي تكون عرائس قراقوز للتطبيل. والذي يهم السلطة اليوم، هو كيف تبقي سيطرتها على الحكم خارج إرادة الشعب مستغلة في ذلك مؤسسات الجمهورية المخولة بخدمة الشعب وحماية الوطن لتتحول إلى خدمة أجندة لوبيات وجماعات ومصالح فئوية، والدليل واضح هو الوضع الذي آلت إليه الجزائر من فساد وغياب مفاهيم المواطنة ونزوع الشارع إلى العصيان وقطع الطرقات للتعبير عن غضبه نتيجة إفراغ مؤسسات الدولة. فالسلطة اصبحت لا تعترف بأي قوة في الداخل لأنها ليست في مستوى الحوار السياسي والاجتماعي والاقتصادي. الجزائر: حاوره محمد شراق رئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي ل“الخبر” دوائر القرار ينتظرون الإملاءات الخارجية لإسماع صوت الأحزاب السلطة ماضية في تطبيق أجندتها في الانتخابات الرئاسية ولم تعر اهتماما لمطالب الأحزاب. كيف تقرأ الوضع؟ هذا الوضع بمثابة إثبات ضمني بأن هناك سلطة خفية تخضع لقوى أجنبية لا لإرادة الشعب الجزائري، والقوى الأجنبية تجد في هؤلاء الأشخاص مصلحتهم وليس مصلحة الشعب أو الدولة.. وهؤلاء درجوا على وضع الدساتير الأجنبية دون أن يحترموها، والسلطة دائما تسير في اتجاه أحادي النظرة من خلال جماعة لا نعرف مصدر سلطتها ومن يقف وراءها. إلام يعود السبب في تجاهل المطالب الحزبية المتعلقة بالانتخابات، على غرار تنظيم استحقاق مسبق أو الدخول في مرحلة انتقالية؟ في الحقيقة هناك إملاءات من الخارج ليس هناك سيادة في القرار الداخلي، والحل ليس باستبدال رئيس برئيس آخر أو وزير بوزير آخر، وإنما بوضع الإصبع على الجرح، والعداء لفرنسا هو الحل. الشعب يجب أن يقف ضد فرنسا لأنها هي من يتسبب في أزمات الجزائر، ومادام هناك آذان صاغية للإملاءات التي تأتي من الخارج، فالأحزاب لن تجد لها آذانا صاغية لمطالبها، سواء تعلق الأمر بالانتخابات المسبقة أو بالمرحلة الانتقالية أو مسألة الضمانات من أجل نزاهة الانتخابات. وكيف يمكن معالجة هذا الوضع في نظرك؟ المطلوب إعادة السلطة للشعب، من يتحكم في الجزائريين هو الجيل الذي تبنى الثورة ولم يكن ثائرا. والأحزاب، أليس بمقدورها الضغط من أجل افتكاك استجابة لمطالبها؟ ليس هناك أحزاب سياسية حتى تستطيع الضغط على السلطة التي تفعل ما تريده منذ 62، والأحزاب فشلت في ذلك، لقد جرت عملية تشويه مقصود للمشهد السياسي في الجزائر، لذلك قررت الانسحاب من التكتلات وجعلت الحزب ينشط بمفرده، فمثلا دعوتهم من أجل تفعيل مطلب اعتماد العد الإلكتروني في نتائج الانتخابات فرفضوا، وهناك من أعضاء الحزب من وعدوهم بمناصب فغادروا. الأحزاب فشلت أيضا في قول كلمتها خلال مرض الرئيس؟ الرئيس مريض من قبل وليس مرضه وليد اليوم، وكما قلت هناك من الدوائر من ينتظر الإملاءات الفرنسية بخصوص ملف الرئاسيات، ولما عدل دستور 2008 كان بإيعاز من فرنسا. إذن ما الجدوى من بقاء الأحزاب إذا كان الأمر كذلك؟ من يترك الساحة فارغة يعتبر فاشلا ويجب الاقتراب من الشعب على الأقل، من أجل تأطيره في حال انتفاضة، لأن الحكومة سوف تطبق عليه كل إملاءات منظمة التجارة العالمية وغيرها، والمسؤولون لم يعد يعنيهم المصلحة الاقتصادية لبلادهم وبعضهم اختلس الأموال. الجزائر: حاوره محمد شراق