تجاوزت أموال الخدمات الاجتماعية للتربية 1924 مليار سنتيم خلال العام الجاري، وهي سابقة في تاريخ القطاع، منذ 19 سنة من تنصيب اللجنة، حيث يطالب عمال القطاع، عشية انتهاء عهدة المكتب الحالي، وانتخاب لجنة جديدة في ديسمبر 2014، المفتشية العامة للمالية بفتح تحقيق حول وجهة هذا المبلغ الضخم، تبعا لقرار اللجنة تجميد نشاطها، بحجة تداخل الصلاحيات مع هيكل التسيير الذي تشرف عليه الوزارة. طالبت النقابة الوطنية لعمال التربية بالتدخل المستعجل لوزارة المالية، قصد إيفاد المفتشية العامة للتحقيق في وجهة أموال الخدمات الاجتماعية، بعد ثلاث سنوات من تنصيب المكتب الجديد، ليطفو مجددا ملف ”سوء” تسيير الأموال الكبيرة التي تخصصها الدولة للقطاع، وهو مشكل انتقده الشركاء الاجتماعيون طيلة فترة تسيير الاتحاد العام للعمال الجزائريين للجنة، حيث اتهموه بالتلاعب بالأموال وتحويلها عن وجهتها الأساسية. وانتقد ”أسنتيو” على لسان الأمين الوطني المكلف بالتنظيم، قويدر يحياوي، قرار اللجنة تجميد نشاطاتها عشية عطلة الصيف، وبداية تطبيق مختلف النشاطات المسطرة، والمنبثقة عن عدة صفقات تم إبرامها طيلة العام مع شركات وطنية وأجنبية، واستغرب إصدار المكتب الوطني بيانا يعلن فيه عن القرار ”وهو البيان رقم 01، والوحيد منذ ستة أشهر، فلماذا لم تصدر اللجنة بيانات مماثلة منذ بداية العام لإبلاغ الموظفين والشركاء الاجتماعيين بقراراتها ونشاطاتها؟”. وقال محدثنا إن تجميد نشاطات اللجنة عشية رمضان والعطلة الصيفية يخفي وراءه نية في ”التلاعب” بالصفقات التي تم إبرامها، كما أنه تنصل من المسؤولية، بعد الوعود التي قدمتها هذه الأخيرة قبل انتخابها، حيث التزمت ببناء مستشفيات وهياكل كبرى لفائدة عمال القطاع، إضافة إلى منح المتقاعدين مبلغ 60 مليون سنتيم لكل واحد ”فأين هي هذه الوعود الوردية؟”، يضيف ممثل نقابة عمال التربية، الذي قال إن تنظيمه ندد ب«احتكار” الاتحاد العام للعمال الجزائريين تسيير اللجنة لمدة 17 سنة، وطالب بمحاسبة مسيريه آنذاك، ”وهو يطالب اليوم أيضا بإيفاد لجنة للتحقيق في طريقة تسيير أموال الخدمات طيلة الثلاث سنوات الماضية، على مستوى اللجنة الوطنية واللجان الولائية”، فالقانون واضح هنا يقول يحياوي، ومن حق وزارة التربية إشعار وزارة المالية لفتح تحقيق عن طريق المفتشية العامة للمالية حسب ما ينص عليه قانون الخدمات الاجتماعية. وأعلن ممثل نقابة عمال التربية بأنه كان على وزارة التربية التدخل مباشرة بعد قرار عدد من اللجان الولائية تجميد نشاطاتها، بسبب تسجيل ”تجاوزات” في منح السلف المالية، ما جعله يحمل الوصاية مسؤولية التسيب والصراع الموجود بين لجنة الخدمات وهيكل التسيير التابع لها، ”باعتبارها غضت الطرف عن تسيير المركزية النقابية لمدة 17 عاما، وها هي تنتهج اليوم نفس الأسلوب مع اللجنة الحالية..”. وحرص يحياوي على التذكير بأن ”أسنتيو” عارض طريقة انتخاب لجنة الخدمات الاجتماعية سنة 2012، واقترح نمطين، هما التسيير المحلي على مستوى المؤسسات أو إنشاء ديوان وطني للخدمات الاجتماعية، تابع مباشرة لوزارة التربية، وتكون الوصاية بذلك مسؤولة مباشرة على تسيير أموال القطاع، ”لتجنب التلاعب تحت ذريعة الانتخاب أو التسيير من طرف نقابة معينة مثلما حصل مع الاتحاد العام للعمال الجزائريين..”. الأموال لا تقتطع من رواتب الموظفين تعتبر أموال الخدمات الاجتماعية في التربية، الأضخم على الإطلاق مقارنة بجميع قطاعات الوظيفة العمومية، إذ بلغت سنة 2014 مبلغ 1924 مليار سنتيم، ما يمثل زيادة تعادل 63 بالمائة مقارنة بسنة 2012، تاريخ تنصيب المكتب الجديد للجنة، حيث لم تكن تتجاوز وقتها 1179 مليار سنتيم. وعكس ما يعتقده الكثيرون، فإن مصدر أموال الخدمات الاجتماعية ليس اشتراكات العمال، بل يتم حساب نسبتها بموجب المرسوم التنفيذي رقم 186/94 المؤرخ في 06 جويلية 1994 المحدد لمحتوى الخدمات الاجتماعية وكيفية تمويلها، وتحسب من كتلة الأجور الخام فقط بحسب المادة 630 والمادة 631، دون حساب الأعباء الاجتماعية، أي لا يتم إخضاعها للضريبة، وتضرب كتلة الأجور في نسبة 03 بالمائة، توجه نسبة 02 بالمائة منها للجنة الخدمات الاجتماعية و0,5 بالمائة لصندوق التقاعد المسبق و0,5 بالمائة لصندوق ترقية السكن. وتم تنصيب واعتماد اللجنة بعد انتخابات سنة 2012 بقرار رقم 01 المؤرخ في 19 فيفري 2012 الذي يحدد كيفيات تسيير الخدمات الاجتماعية في قطاع التربية، حيث بموجبه، تم إلغاء ”احتكار” تسيير المركزية النقابية لأموال الخدمات الاجتماعية مدة 17 سنة كاملة. وقدرت مساهمة الدولة في مؤسسات التعليم الابتدائي والمتوسط بمبلغ قدره 1400 مليار سنتيم ل 2014، أما بالنسبة لعمال وأساتذة الطور الثانوي، فقد بلغت أكثر من 5 آلاف مليار سنتيم، وهي المرة الثانية التي تتجاوز فيها ميزانية صندوق الخدمات الاجتماعية لقطاع التربية ألف مليار سنتيم بعد العام الماضي، ويعتبر ارتفاع عدد الموظفين الذي تجاوز 600 ألف مستخدم، وتحسن شبكة الأجور والزيادات الناجمة عن تعديل القانون الأساسي سنة 2012، عوامل أدت إلى القفزة الكبيرة التي عرفتها قيمة أموال الخدمات الاجتماعية، إضافة إلى استفادة عمال الجنوب والهضاب ومنطقة الأوراس سنة 2013 من منحة الامتياز، وفي المقابل من المنتظر أن تشهد ميزانية الخدمات ارتفاعا كبيرا في 2015 كنتيجة لإدماج أساتذة التعليم الأساسي والابتدائي الآيلين للزوال في المناصب المستحدثة كأستاذ تعليم أساسي وأستاذ مكون، إضافة إلى مطلب تحيين المنطقة. البداية كانت باتهام المركزية النقابية ب”الاختلاس” تأسست لجنة الخدمات الاجتماعية سنة 1994 وتم إلحاق تسييرها بالاتحاد العام للعمال الجزائريين مدة 17 سنة، قبل أن تقرر وزارة التربية، في عهد الوزير بن بوزيد، تجميد نشاط الخدمات سنة 2010، بقرار من الحكومة نظرا للاحتجاجات الكبيرة آنذاك، واتهام المركزية النقابية باختلاس أموال القطاع، لينظم استفتاء سنة 2012 حول كيفية تسيير الخدمات الاجتماعية، إما بانتخاب لجنة وطنية ولجان ولائية، وهو الخيار رقم 01 آنذاك، أو تسييرها على مستوى المؤسسات، وهو الخيار رقم 02، ليتم في الأخير اقتراح الخيار الأول، وبالتالي انتخاب لجنة وطنية ولجان ولائية. غير أن ما تتخوف منه نقابات القطاع، حسب ما أعلنت عنه ”أسنتيو”، هو أن عهدة اللجنة الحالية تشرف على الانتهاء، حيث من المقرر تنظيم انتخابات لتجديد المكتب في ديسمبر 2014، لتطفو على السطح نفس المشاكل التي سجلت خلال تسيير المركزية النقابية، ”فموظفو القطاع لم يستفيدوا فعليا من الأموال الموجهة للجنة..” يقول محدثنا، ليأتي قرار اللجنة تجميد نشاطها عشية رمضان والعطلة الصيفية، ليزيد الأمور تعقيدا، باعتباره سيتسبب في إلغاء جميع النشاطات بدءا من تاريخ التجميد. علما أن اللجنة، يقول يحياوي، أبرمت عدة صفقات مع شركات عالمية لاقتناء عدة ماركات من السيارات، إضافة إلى رحلات العمرة والعطلة، وهو دليل، حسبه، على أن قرار التجميد ليس سوى محاولة من قبل هذه الأخيرة للسيطرة على الأموال، وهو مجرد ”تلاعب” يخفي وراءه نية اللجنة التنصل من البرنامج الذي سطرته والتزمت به أمام 600 ألف موظف في القطاع، لأن الصراع الذي تحججت به اللجنة في قرارها يعود إلى تداخل في الصلاحيات بينها وبين هيكل التسيير الذي تشرف عليه الإدارة، بحسبها، وإذا استمر هذا النزاع، يقول يحياوي، فإن المستخدمين هم من سيدفع الثمن، ويكونون الخاسر الأكبر في هذه ”اللعبة”. لجنة الخدمات الاجتماعية تطمئن من جهته، أكد رئيس اللجنة الوطنية للخدمات الاجتماعية، عبد الرحمن بلمشري، بأن جميع النشاطات التي تمت برمجتها خلال الصائفة ستطبق دون أي مشكل وفي ظروف عادية، حيث قدم تطمينات إلى جميع الموظفين، قال فيها إن الرحلة الخاصة بالعمرة ستنطلق فعليا في تاريخها المحدد، دون أي تأخير، حيث سيتم التكفل بألفي معتمر من مختلف مناطق الوطن، تحصلوا جميعهم على التأشيرات، إضافة إلى جميع رحلات الاستجمام والعطلة الصيفية المقررة. وحسب ما جاء على لسان محدثنا، فإن تجميد نشاطات اللجنة لا يعني أبدا إلغاء برنامجها السنوي المسطر، لكن الأمر يتعلق فقط بأمور داخلية تنظيمية ستتم معالجتها في القريب العاجل، نتجت عن تداخل في الصلاحيات بين لجنة الخدمات والهيكل المسير. وقال بلمشري إن اللجنة تتنظر تدخل وزارة التربية منذ 30 مارس الماضي، للفصل في النزاع، وتحديد الصلاحيات والمسؤوليات: ”وقد راسلنا نقابات القطاع لإطلاعها على الملف، ونحن أول من طالب بإيفاد لجان للتحقيق في أموال الخدمات الاجتماعية، ومن يملك تقارير أو ملفات ما عليه إلا تقديمها للمصالح المختصة، لأن نشر الحقائق سيعزز من مصداقيتنا ويثبت بأننا نعمل في إطار شفاف وقانوني لا تشوبه أية تلاعبات ولا مناورات..”.