عكس ما تم الترويج له قبل بعث مشروع “عدل” فإن الواقع وبعد مضي عقد على تسليم أول دفعة من تلك السكنات أثبت فشل ذريع في التسيير، حيث عجزت السلطات عن الوفاء بوعودها في التكفل بمشاكل السكان، إلى درجة أن الكثير من السكان ممن التقيناهم لدى نزولنا إلى الميدان عبروا لنا عن تذمرهم من الوهم الذي باتوا يعيشونه وفقدانهم لأمل تجسيد وعود قيل عنها الكثير قبل أن يصدموا بواقع مر لا يمت بأي صلة لتلك الوعود. يثير هذا الواقع تساؤلات حول جدية الحكومة ووزير السكن والعمران وتهيئة المدينة عبد المجيد تبون في تسيير صيغة سكنية ممن كانت تعول عليها كثيرا، حيث يفترض أن تمس صيغة “عدل” أكبر فئة من المواطنين وهي الطبقة المتوسطة، إذ تم استحداثها للقضاء أو التخفيف من أزمة السكن في الجزائر، وخصصت الدولة لإنجاح المشروع ميزانية كبيرة للإنجاز والتسيير، ورغم هذا فإن المسؤولين المتعاقبين على وزارة السكن والعمران وتهيئة المدينة، إضافة إلى مسؤولي الوكالة بقوا عاجزين وغير قادرين على التحكم في تسيير هذه المجمعات السكنية، برغم أنهم يصرون على اقتطاع مبالغ ما يسمى بالخدمات الغائبة تماما، حسب معاينتنا وشهادات السكان، وفي المقابل تأتي تصريحات المسؤولين فيما يخص الاحتفاظ بصيغة الأبراج دون حل مشكل المصاعد بشكل نهائي مُخالفة لما ينتظره سكان هذه الأحياء، وحتى المكتتبون الجدد المسجلون في برامج عدل 1 ممن لم يستفيدوا بعد من السكنات أو برنامج عدل 2 أي المكتتبين المسجلين إلكترونيا، السكان، الذين يُطالبون بحل نهائي للمشاكل التي يُعانونها فيما يدعو المكتتبون الجدد المسؤولين إلى أن يستغنوا عن هذه الصيغة إذا كانت الحكومة عاجزة عن التحكم فيها! حي العاشور.. النموذج الأمثل لفشل مشروع “عدل” سقطت كل تصريحات وزير السكن والعمران عبد المجيد تبون في خانة الوعود “غير الصادقة” بعد أن صرح بضرورة التكفل بمشكل المصاعد على مستوى العمارات وسيتم استبدالها كلية لتسند للشريك الألماني “شنايدر” لكن لا شيء في الواقع تم تجسيده. وسجل بعض سكان الحي ممن تقربت منهم “الخبر” تماديا غير منقطع وتسيبا غير مسبوق في التسيير، حيث ما إن تدخل الحي حتى تجد نفسك وسط مياه قذرة متسربة من إحدى العمارات، بالإضافة إلى تراكم النفايات ليلا ونهارا، بالإضافة إلى غياب الإنارة داخل العمارات وحتى الأوساخ صارت من ديكور الحي المعتادة منذ مدة، الأمر الذي حول حياة السكان إلى كابوس حقيقي، خصوصا وأن إدارة “عدل” صارت عاجزة عن تسوية الوضعية واكتفت بدور المتفرج الذي لا يهمه سوى قبض تكاليف أعباء شهرية لخدمات غائبة منذ مدة. عمارات غارقة في الظلام والحجة.. انعدام الميزانية تقول إحدى القاطنات بالعمارة 01 بذات الحي والتي تشهد تسربا للمياه القذرة: “عيب أن يتكلم الوزير تبون عن مشاريع جديدة وهو عاجز عن التكفل بالأحياء القديمة”، وأضافت: “تخيل أننا صرنا نجر الروائح بأحذيتنا إلى منازلنا جراء مرورنا على المياه القذرة التي تقابلنا عند مدخل الحي وهذا منذ شهور دون أن تتحرك إدارة عدل هذه بتسوية المشكل”. ولم يتوقف العجز عند هذا الحد، حيث إن كل العمارات صارت سلالمها ظلاما حالكا، إذ أن إدارة “عدل” تخلت عن تغيير المصابيح بحجة استحالة اقتنائها من المديرية الكائن مقرها ببومعطي بالحراش، وفي هذا الصدد قال أحد حراس العمارات ممن سألناهم عن المشكل: “في البداية قيل لنا بأن المشكل يكمن في انعدام المتكفل بجلب تلك المصابيح، لكن ومع مرور الوقت اتضح بأن المصابيح منعدمة تماما بحجة نقص الميزانية”، وهنا تساءل عدد من المواطنين: “كيف يتحدثون عن نقص في الميزانية ونحن ندفع شهريا الأعباء دون تأخير؟”. عاملات نظافة حولن إلى حي مجاور والنتيجة.. أوساخ متراكمة! وإضافة إلى كل هذه المشاكل فإن الحي صارت تلفه الأوساخ من كل جهة، فالمنظفات اللواتي كن يتداولن على تنظيف السلالم مرتين في الأسبوع تم ترحيلهن وفق سياسة “بريكولاج” ممنهجة، حيث تم تحويلهن إلى حي “دابوسي” المجاور على أن تعيش عائلات العاشور في الأوساخ! ويحدث كل هذا، يقول عدد من السكان، والوزير يتباهى بمشاريع مستقبلية لذات الصيغة التي أثبتت هذه الأحياء أنها فاشلة وعلى طول الخط. أعمدة.. بلا إنارة عمومية لا تتوقف المعاناة عند حد الأوساخ وانعدام النظافة في أحياء “عدل” في بلديتي العاشور والدرارية، فالقاصد لهذين الحيين ليلا لا يشعر بأنه يسير في عاصمة أكبر بلد في إفريقيا ولا تبعد عن السواحل الفرنسية أو الإسبانية إلا بساعة على الأكثر، وعلى المترجل أو سائق السيارة أن يحسب ألف حساب وهو يقطع مسافة الكيلومترين بين حي العاشور وحي السبالة مرورا بحي الدابوسي الذي استقبل مؤخرا سكان حي عدل الدرارية 2 بسبب انعدام الإنارة العمومية رغم وجود الأعمدة منذ العام 2006 تاريخ تدشين حي 1827 مسكن. تبون محتجز في قفص مصاعد “عدل” برغم كثرة مشاكل سكان “عدل” التي باتت لا تحصى ولا تعد، أمام عجز الإدارة عن تسوية الكثير منها، إن لم نقل كلها، إلا أن مشكل المصاعد صار يمثل الكابوس الحقيقي لكل السكان وفي مختلف المجمعات السكانية، وقد وجد الوزير عبد المجيد تبون نفسه في “قفص” تلك المصاعد، بعد أن أخلف وعده إثر تصريحاته التي أدلى بها منذ أكثر من سنة، حينما راح يؤكد بأن المشكل تم القضاء عليه بإعادة تهيئة كل المصاعد إثر اكتشافه لتلاعبات في الصفقات المبرمة، وأكد بأنه سيتم تغيير تلك المصاعد لتمنح للشركة الألمانية “شنايدر”، إلا أن شهورا وشهورا مضت وسقطت وعود الوزير في الماء. سُكان “عدل” يصرخون “أعفونا من المُستحقات وسنُسيّر الأحياء بمُفردنا” عانى سُكان الكثير من هذه الأحياء من مشاكل منذ استحداثها بشكل مستمر، مثلما هو الحال في حي “عدل” بزموري شرقي ولاية بومرداس، حيث إن المواطنين الذين استلموا مفاتيحه منذ قرابة السبع سنوات اشتكوا من مشكل تسرب مياه الصرف الصحي بأقبية العمارات بعد تشبع الإسمنت بالمياه القذرة، ويأتي هذا بالرغم من أنهم يدفعون مبلغ 1350 دينار شهريا، تكاليف أعباء الخدمات ولكن “المشاكل لا تنقطع في ذات الحي السكني”، دون تكفل سريع بها من طرف السلطات المعنية، كما أن مشكل تعطل المصاعد لا يزال يؤرق السكان خاصة بالنسبة لقاطني الطوابق العليا من كبار السن والمرضى. يتكرر سيناريو انعدام التهيئة وتعطل المصاعد في حي السبالة ببلدية العاشور ما اضطرهم إلى التوجه بشكل مستمر إلى إدارة عدل غير أنهم “لم يتلقوا إجابات أو حلول واقعية تخلصهم مما يعيشونه”، وهو ما جعلهم ينظمون وقفات احتجاجية لمعرفة الأسباب التي تؤدي في كل مرة إلى تعطل هذه المصاعد، والتخلف عن إيجاد حل نهائي لها وهو نفس الواقع المر الذي يتقاسمه أيضا سكان مجمع عدل ببلدية الدويرة بالعاصمة، ما حول حياتهم إلى كابوس إثر تكرار الأعطاب وبشكل دوري ولم يتم إصلاحها إلا بعد مدة. وصار مشكل التسيير السيئ وغير المنظم جامعا بين جميع الأحياء، خاصة تلك التي بها أبراج عالية مثلما هو الحال أيضا في حي براكني بولاية البليدة الذي تنظم قاطنوه فيما يشبه الجمعيات وراسلوا جميع السلطات لإيجاد حل للمشاكل التي يعانونها، ومنها التعطل المستمر للمصاعد، حيث ذكروا أن بعض أشغال التهيئة لا تتعلق بالتنظيف فقط، وإنما طلاء الجدران التي اهترأت ولم تُكلف الوكالة مشقة تهيئتها منذ زمن، حيث طرحوا استفسارا حول جدية المسؤولين في تسيير الأحياء! وفيما طالب سكان هذه الأحياء وأخرى بضرورة التدخل العاجل لحل المشاكل المطروحة، دعا آخرون إلى إعفائهم من المصاريف والنفقات المترتبة عليهم والتي “لا توجه إلى التهيئة والصيانة”، على أن يتكفلوا بمفردهم بهذه الأشغال، خاصة و”أن الحكومة بقيت عاجزة أمام هذه المشاكل”. المدير العام لوكالة “عدل” الياس بن إيدير ل”الخبر” “لن نستغني عن الأبراج في الأحياء السكنية” صرح المدير العام لوكالة تحسين السكن وتطويره “عدل”، الياس بن إيدير، بأن الصيانة على مستوى الأحياء السكنية التابعة للوكالة تتم بشكل مستمر ودوري وغير متوقفة، نافيا تسجيل أي إهمال في التكفل بها، حيث قال: “إننا نقوم بإصلاح كل الأعطاب خلال عملية التفقد، أحيانا يتم إصلاحها مباشرة وأحيانا تتطلب بعض الوقت، ولكننا لم نهملها”. كما قال المتحدث في تصريح هاتفي إن مسؤولية تلفها مشتركة بين المواطنين الذين يتسببون في كثير من المرات في تعطيلها بسبب سوء الاستعمال أحيانا، كما أن بعض المصاعد تحتاج إلى تغيير كلي وأخرى إلى إصلاح وصيانة دورية فقط. وبالنسبة لعملية التهيئة نفى أيضا أي إهمال قائلا بأن الوكالة تراقب تسيير جميع الأحياء ويوجد مخطط واضح للتهيئة والصيانة والقيام بكل أشغال أحياء “عدل”. كما كشف المتحدث عن مواصلة الاعتماد على صيغة الأبراج العالية في المشاريع المبرمجة مستقبلا، قائلا بأن مشاريع “عدل” السكنية والخاصة بالمكتتبين الجدد ستكون بهذه الصيغة.