إنّ أيّام التّشريق [الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة] هي الأيّام المعدودات الّتي قال اللّه سبحانه وتعالى فيها: {وَاذْكُرُوا اللّه فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ} البقرة:203، وهي أيّام ذِكر اللّه تعالى وشُكره. روى نبيشة الهذلي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: “أيّام التّشريق أيّام أكل وشرب وذِكر اللّه” أخرجه مسلم، وفي رواية للإمام أحمد: “مَن كان صائمًا فليفطر فإنّها أيّام أكل وشرب”. قال الحافظ بن رجب رحمه اللّه: [وفي قول النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم “إنّها أيّام أكل وشرب وذِكْر للّه عزّ وجلّ” إشارة إلى أنّ الأكل في أيّام الأعياد والشّرب إنّما يُستعان به على ذِكْر اللّه تعالى وطاعته، وذلك من تمام شُكْر النِّعمة أن يُستعان بها على الطّاعات. وقد أمر اللّه تعالى في كتابه بالأكل من الطيّبات والشُّكر له، فمَن استعان بنِعم اللّه على معاصيه فقد كفر نعمة اللّه وبدّلَها كفرًا وهو جدير أن يسلبها]. ولمّا كانت هذه الأيّام هي آخر أيّام موسم فاضل، فالحجّاج فيها يكملون حجّهم، وغير الحجّاج يختمونها بالتقرّب إلى اللّه تعالى بالضحايا بعد عمل صالح في أيّام العشر، استحبّ أن يختم هذا الموسم بذِكْر اللّه تعالى للحجّاج وغيرهم. وقد أمر اللّه تعالى الحجّاج فقال: {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللّه كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا} البقرة:200. ويُتأكَّد في هذه الأيّام المباركة التّكبير بأدبار الصّلوات المكتوبات، وفي كلّ وقت إلى غروب شمس اليوم الثالث عشر للحجّاج وغيرهم. وقد كان سيّدنا عمر رضي اللّه عنه يُكَبِّر في قُبَّتِه بمِنى فيسمعه أهل المسجد فيُكبِّرون، ويُكبِر أهل الأسواق حتّى ترتج مِنى تكبيرًا. وكان ابن عمر رضي اللّه عنهما يُكبِّر بمِنى تلك الأيّام، وخلف الصّلوات، وعلى فراشه، وفي فسطاطه ومجلسه وممشاه تلك الأيّام جميعًا. وكانت أمّ المؤمنين السيّدة ميمونة رضي اللّه عنها تُكبِّر يوم النّحر، وكان النساء يُكبِّرْن خلف أبان بن عفان وعمر بن عبد العزيز ليالي التّشريق مع الرّجال في المساجد. ولقد بلغ من أهمية التّكبير بأدبار الصّلوات في أيّام التّشريق، أنّ بعض العلماء قالوا: يقضيه إذا نسيه، فإذا نسيَ أن يُكبِّر عقب الصّلاة فإنّه يُكبِّر إذا ذَكَرَ ولو أحدث أو خرج من المسجد ما لم يطل الفصل بين الصلاة والتّكبير.