تبقى المعالم الأثرية التي تزخر بها ولاية تبسة وتضاهي في أهميتها تلك المتواجدة بأوروبا ودول الجوار، مهملة وغارقة في أكوام القمامة بعد أن توقفت عمليات ترميمها منذ 2008 واستهلك غلافها المالي وسط صمت للسلطات والوصاية. يغرق المسرح الروماني وباب كركلا والسور البيزنطي ومعبد البازيليك بولاية تبسة، في أكوام القمامة وزجاجات الخمر، بالرغم من المجهودات الجبارة لمجموعات شباب “الجزائر البيضاء” للحفاظ عليها، وقد خصصت وزارة الثقافة أغلفة مالية ضخمة قدّرت بملايير الدينارات، لمشاريع ترميم أحد أكبر المعالم التاريخية، وهو قوس النصر المعروف باسم القائد الروماني كركلا، والذي يتوسط مركز ثقل المدينة العتيقة “تيفاست” ويعطيها رونقا وجمالا من عمق التاريخ، غير أن العملية توقفت بسبب استعمال شركة المقاولة المشرفة على الترميم، الأسمنت المسلح في العملية، مما يشوه معالم الهندسة المعمارية ويفقد المكان أهميته التاريخية التي يراد الحفاظ عليها والتأسيس من خلالها لسياحة حقيقية، تكون أكثر فعالية من حيث المردود المادي. ونظمت الجمعية الثقافية آنذاك “مينارف” بالتنسيق مع مديرية الثقافة عدة لقاءات، كان من المفروض أن يتمخض عنها إجراء تربصات دولية للمهندسين الجزائريين في تخصص الهندسة المعمارية للآثار والتحف القديمة، وتبخرت تلك الوعود ولم يتجسد منها شيء في الواقع. تبقى أحلام سكان مدينة تبسة معلّقة على مشروع المدينة الثقافية السياحية الجديدة التي ستقام بوسط المدينة، داخل وخارج السور البيزنطي، والذي خصصت له ميزانية ضخمة ويواجه حاليا إجراءات إخلاء الأكشاك وبعض البناءات التي احتلت الأرصفة والطرقات بتراخيص من المجالس البلدية المتعاقبة خرقا للقانون. من جهة أخرى، تشرف حاليا مديرية الثقافة بتبسة على إتمام إجراءات الجرد الأولي للمواقع الأثرية للولاية وإنشاء بنك معلومات للجرد والتصنيف، بحيث ينتظر الحصول على الدفاتر العقارية للمعبد الروماني بتبسة الحالية والبازيليك ومتحف الهواء الطلق والمسرح والمدرج الروماني ومعصرة برزقان ومقبرة الدكتور سعدان وحي سيدي عبدالله، مما سيمكّن مكاتب دراسات متخصصة بإجراء دراسات معمقة، واختيار مؤسسات عالمية قصد استرجاع ثروة سياحية تنام تحت أكوام القمامة وكل الممارسات السلبية، كتحويلها لاستهلاك الخمور والمخدرات والتبول حتى يخجل الإنسان من نفسه أمام مجموعات سياحية من أوروبا تصوّر بكاميرات الفيديو هذه المواقع وتعود بها إلى حيث يحترم التاريخ. فقد تسارعت المجموعات الشبابية لأخذ صور تذكارية أمام باب كركلا ليلة أول نوفمبر 2014، حيث تم تزيينه بأضواء تحت حصار القمامة، فمتى تتخلص “تيفاست” من هذه التعاسة الثقافية بعدما احتضنت مهرجانات السينما والفيديو العالمية في التسعينيات؟