كثير من الجدل الحاد والساخن إلى حد الاشتباك اللفظي وقع داخل خيمة صغيرة وسط شارع الحبيب بورڤيبة، نصبتها حملة الرئيس المرزوقي لتوزيع منشورات دعائية، لم يكن هذا الجدل ليؤمن حاجة التونسيين لفهم تطورات متسارعة جرت في غضون 3 سنوات من الانتقال الديمقراطي، لكنه يؤمن للمراقبين فهم حدة الانقسام في المواقف داخل المجتمع التونسي والهيئة الناخبة على الأقل، إزاء منجزات الثورة، ويبرر حالة الاستقطاب الحاد بين المرشحين الأبرز لانتخابات الأحد المقبل: باجي قايد السبسي، والمنصف المرزوقي الذي يعيب عليه خصومه ممن كانوا داخل خيمة النقاش السياسي، التساهل مع الإرهاب، وقطع العلاقات مع سوريا، وضعف الأداء السياسي، والتحالف مع حركة النهضة التي لا تغيب عن المشهد الانتخابي الرئاسي في تونس، رغم عدم تقديمها لأي مرشح عنها في الرئاسيات. أكثر من مرشح يسعون إلى تحسس موقف الكتل الناخبة لحركة النهضة، وبرغم حالة التحفظ السياسي التي أعلنتها بقرارها ترك حرية الاختيار لمناضليها، إلا أنها لا تبدو على الحياد، فقيادات من الصف الأول للنهضة خرجت عن هذا الخيار، وأعلنت معارضتها لانتخاب رئيس حزب نداء تونس باجي قايد السبسي ودعمها للمرشح، وقال رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحركة النهضة حمادي الجبالي في بيان أصدره، إن تونس تحتاج إلى رئيس ناضل من أجل الديمقراطية والحريات، وليس إلى رئيس يعود بالبلاد إلى عهد الأحادية، والموقف نفسه عبر عنه وزير الصحة السابق والقيادي في حركة النهضة عبد اللطيف المكي. ولا تمثل هذه المواقف الصادرة عن حركة النهضة بداية انكشاف الموقف العميق للحركة المتوجه ضد انتخاب السبسي، لكنها تعبر عن موقف أغلبية كوادر الحركة التي ترسم في الأفق مخاوف من تكرار تجربة القمع والترهيب الذي تعرضت له خلال حكم الرئيسين بورڤيبة وبن علي، وهي “الفزاعة” نفسها التي تعتمدها حملة الرئيس المرزوقي ضد المرشح رئيس الحكومة الأسبق باجي قايد السبسي، على خلفية أنه اشتغل وزيرا للداخلية في عهد بورڤيبة، وأن حزبه نداء تونس المشكل من عدد من كوادر النظام السابق هو في الواقع إعادة تركيب لماكنة حزب التجمع الدستوري البائد. وقال المرزوقي أمس في خطاب ألقاه في حي التضامن، أحد أكبر الأحياء الفقيرة في العاصمة تونس والمعقل الرئيس للسلفيين، إنه الخيار الوحيد لضمان الحقوق والحريات والوقوف ضد عودة الاستبداد. وبالقدر نفسه من المخاوف، عبر المرشح أحمد نجيب الشابي عن محاذير إجهاض مكتسبات الثورة وفتح الطريق لعودة الاستبداد. لكن رئيس نداء تونس الفائز بالأغلبية في البرلمان الجديد، وجد نفسه لاعبا كقلب دفاع ضد ما يعتبرها “فزاعة” من قبل منافسه الرئيس منصف المرزوقي، السبسي اضطر لتقديم كثير من التعهدات خلال حملته الانتخابية بتشكيل حكومة وفاق وطني وبدعم الحريات السياسية والمدنية، جزء من هذه التعهدات موجه باتجاه كتلة اليسار، لكن خطابه الموجه لمغازلة كتلة حركة النهضة يتضمن تعهدات بعدم الإقصاء وإشراك كل الأطراف في العمل السياسي، تعهدات أغرت عددا من المرشحين أنفسهم، والذين أعلنوا قبل بداية الانتخابات بأربعة أيام سحب ترشحهم ودعم السبسي، على غرار مرشح الحركة الدستورية عبد الرحيم الزواري، فيما يتجه المحافظ السابق للبنك المركزي مصطفى كمال النابلي الذي أعلن انسحابه من الرئاسيات إلى دعم السبسي، بسبب ما اعتبره التحريض الذي تقوم به حملة الرئيس المرزوقي ضده، والذي كان قد أقاله من منصبه. كما أعلن مرشح التحالف الديمقراطي محمد الحامدي والمرشح المستقل نور الدين حشاد نجل الزعيم النقابي التونسي فرحات حشاد، الانسحاب من الانتخابات دون إعلان موقفهما، بخلاف رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر الذي ثبَّت ترشحه، وانتقد استعمال المال السياسي وحالة الاستقطاب الحاصل بين المرزوقي والسبسي، واعتبر نفسه أحق بمنافسة السبسي، والمرشح منذر الزنايدي الذي أعلن في ندوة صحفية أمس أنه “ليس من الشجاعة الانسحاب من السابق الانتخابي”. ليست الانتخابات كل شيء في المشهد السياسي في تونس، مقربون من الرئيس السابق زين العابدين بن علي وجدوا في المناخ الانتخابي وحالة استرخاء القوى الثورية فرصة للعودة إلى البلاد، كذلك فعل رجل الأعمال سليم شيبوب صهر بن علي الذي عاد أمس إلى تونس، والذي اعتقل في مطار النفيضة وتمت إحالته على المحكمة في العاصمة تونس بتهم موجهة ضده، وسط تشديد أمني يقبض سيطرته على العاصمة تونس، تفاديا لكل ما من شأنه التشويش على الاستحقاق الانتخابي الذي تستقطب فيه تونس كاميرات مئات القنوات التلفزيونية ووكالات الأنباء والصحف الدولية.