في الوقت الذي يطالب به أصحاب عقود ما قبل التشغيل بالإدماج ويشتكون من الاستغلال الذي يتعرضون له، مازال آلاف المتخرجين من الجامعات وحاملي شهادات تقني سامي والتكوين المهني يحلمون بالفوز بعقد تشغيل مقابل 8 أو 15 ألف دينارا، تنقذهم نسبيا من شبح البطالة، بعدما أصبح الحصول على هذا العقد ليس أسهل من الحصول على منصب عمل دائم في ظل البيروقراطية التي تمارسها الإدارة الجزائرية. أول خطوة يقوم بها الشباب بعد حصولهم على الشهادة مباشرة، الإسراع إلى تسجيل أنفسهم في مكاتب التشغيل الموجودة على مستوى ولاياتهم، من أجل الاستفادة من منصب عمل في إطار عقود ما قبل التشغيل، غير أن هذه الاستفادة ليست بالسهولة التي يعتقدها البعض، أين أكد العديد من الشباب الذين التقت بهم جريدة “الخبر” على مستوى مكاتب التشغيل ومديرية النشاط الاجتماعي بولاية سكيكدة، أن الفوز بعقد أصبح حلمهم الكبير بعد الشهادة. وهنا تقول “ج. نورة”، متحصلة على شهادة سكريتاريا من التكوين المهني، أن حلمها في الحصول على عقد عمل ب 8 آلاف دينار تحول إلى كابوس، موضحة: “قمت بالتسجيل في مديرية النشاط الاجتماعي بتاريخ 23 جانفي 2012 ولم أحصل على العقد حتى اليوم”. “لا توجد عقود” حجتهم الدائمة وأكدت المتحدثة أنها تحملت الإجراءات المعقدة من أجل الحصول على العقد، كونها متزوجة وأم لطفل وزوجها عاطل عن العمل، حيث حصلت على توقيع بالموافقة على التوظيف من محامية، التي قامت بدورها بايداع طلب لدى المديرية مفاده أنها بحاجة إلى توظيف مساعدة سكرتيرة من الفئة الاجتماعية، ليبقى طلبها بعد 3 سنوات كاملة عالقا بمديرية النشاط الاجتماعي. وتضيف ذات المتحدثة: “منذ 3 سنوات تقريبا وأنا أسمع نفس التبريرات، في كل مرة يقولون لي لا توجد عقود متوفرة الآن، ويطلبون مني العودة بعد 6 أشهر وعندما أعود أجدهم يعلّقون إعلانا مفاده انتهاء حصة العقود المتوفرة وضرورة انتظار حصة جديدة”. وقالت السيدة نورة إنها وبعد حصول أحد جيرانها على عقد العمل ذهبت للاستفسار بالمديرية، أين أكدت لها سكرتيرة المدير من جديد أن العقود غير متوفرة حاليا، موضحة: “يقولون إن الملفات تمر عبر اللجنة من أجل منح العقد، لكن الحقيقة أنها تمنح بالمعريفة فقط، بدليل تهرّبهم من مقابلتنا وعدم إعلانهم عن عدد عقود العمل ونوعها المتوفرة في كل حصة”. من جهتنا، سجلنا في خرجتنا الاستطلاعية، هذا التهرب الواضح من مقابلة الشباب المقبلين للاستفسار حول مصير ملفاتهم المودعة منذ سنوات. 3 سنوات انتظار وما زال.. من جهتها تروي “أمينة. ش” متحصلة على ليسانس في علم النفس، معاناتها من أجل عقد عمل في إطار عقود ما قبل التشغيل والذي لم تحصل عليه حتى اليوم بعد 3 سنوات من تخرجها “قمت بالتسجيل في مكتب التشغيل سنة 2012 وهناك أخبروني أنني يجب أن أحصل على ختم موافقة بالتوظيف من مؤسسة عمومية” هكذا بدأت رحلة أمينة في البحث عن مؤسسة تقبل بتوقيع موافقة توظيف لها من أجل العمل بعقد قيمته 15 ألف دينار شهريا، وتوضح المتحدثة: “ذهبت إلى المراكز الاستشفائية، إلى الدائرة، البلدية، المدارس التربوية، حتى حصلت على موافقة مدير مدرسة ابتدائية” ولكن حلم أمينة تبخّر عندما عادت تحمل توقيع الموافقة إلى مكتب التشغيل ليخبرها أن العقود غير متوفرة حاليا، وأنها يجب أن تنتظر إلى السنة المقبلة، لتجد نفسها تنتظر 3 سنوات وأكثر دون أي جديد، مؤكدة: “قد تشارك في مسابقة فتحصل على منصب عمل دائم ولكنك لن تحصل أبدا على عقد العمل هذا بدون معريفة”. ملتقى وطني لدراسة الوضع قريبا آلاف الحاملين للشهادات في مختلف الميادين يعيشون قصة أمينة ونورة، على غرار ياسر المتحصل على شهادة ليسانس في الرياضة البدنية، الذي نجح في الالتحاق بالماستر بعدما فشل في الحصول على عقد عمل ما قبل التشغيل بدار الشباب بسكيكدة، ومريم التي تصف هذه الحالة ب«بالرغم من أن هذه العقود لا تحترم حقوقنا كإنسان ولا كعمال ومع أننا قبلناها على مضض فهي تخضع للمحسوبية والوساطة”. من جهته، كشف السيد حمو مرزوق، ممثل النقابة الوطنية المستقلة للطلبة لجريدة “الخبر” عن إشرافه عن تنظيم ملتقى وطني يوم 20 ديسمبر الجاري بباب الزوار بالعاصمة، حول “الجامعة وعالم الشغل”، من أجل دراسة وضعية الشباب الجامعي خاصة الذين يندرجون في إطار العاطلين عن العمل، والذين لم يتمكنوا من الحصول على عقود ما قبل التشغيل، إلى جانب التطرق إلى مشاكل هذه الفئة. واعتبر ذات المتحدث أن سياسة عقود ما قبل التشغيل هشة ولا تتماشى مع طموحات الشباب مضيفا: “منح هذه العقود يخضع إلى المعريفة ككل شيء في الجزائر، والمحظوظين فقط من يستفيدون منها”.