أجمع الخبراء في مجال الطاقة والاقتصاد، أمس، على أن السلطات العمومية تفتقد الإرادة السياسية لوضع البدائل الضرورية لاقتصاد الريع فعليا في الميدان، وأشاروا إلى أن المخططات المسطرة لا تتجاوز كونها مجرد شعارات بعيدة عن الواقع، بينما تسعى لاستعمال المدخرات المكتنزة من صادرات البترول لتغطية كل الحاجيات الوطنية، في ظل عدم قدرة النسيج الاقتصادي والقطاعات الصناعية والفلاحية على تلبية متطلبات السوق. وشدد الخبير في المجال الطاقوي، مراد برور، خلال نزوله ضيفا على منتدى ”ليبيرتي”، على أنه كان من الفروض أن تستفيد الجزائر والاقتصاد الوطني من الأزمة الحالية التي أدت إلى تراجع أسعار النفط إلى مستويات ضعيفة، بدلا أن تكون أحد أبرز الضحايا التي يخلفها تضارب المصالح الاقتصادية والسياسية وتذبذب الأسعار العالمية، من خلال العمل على شراء الشركات والمؤسسات الآيلة للإفلاس جراء تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية، واستثمار المدخرات من العملة الصعبة واحتياط الصرف عوضا عن ”اكتنازها”. وعلى الرغم من أن المتحدث توقع استئناف أسعار البترول منحناها التصاعدي تدريجيا بمرور الوقت، إلاّ أنه لم يربط ذلك بعودة ”العافية” للاقتصاد العالمي، الأمر الذي دفعه إلى دق ناقوس الخطر وتحذير السلطات العمومية والحكومة من ضرورة اتخاذ الإجراءات الضرورية للخروج من التبعية إلى الاقتصاد المبني على معادلة طرفها الأول استخراج المحروقات وبيعها في شكل مادة خام، وطرفها الآخر استيراد كل ما تنتجه المؤسسات والمصانع الأجنبية، ما يجعل الاقتصاد الوطني مرهونا في كلتا الحاليتين بتقلب الأسعار وتحكم المضاربين والمصالح في تسييرها. ودعا برور، في هذا الاتجاه، إلى إعادة النظر في مجموعة من النقاط الإستراتيجية ومراجعة سياسة الاستهلاك الطاقوي الداخلي، في حين قدّر بأن الميزانية العامة تتأثر سلبا في حال انخفاض أسعار البترول عن مستوى 113 دولار للبرميل، فيما يمكن للمملكة العربية السعودية التي تقود منظمة الدول المصدرة للنفط ”أوبك” إلى عدم تخفيض الإنتاج إلى المواصلة مع نزول الأسعار إلى 83 دولارا، بصرف النظر عن الإمكانات الكبيرة في مجال الإنتاج والمدخرات العالية بالنسبة للعملة. وعلى هذا الأساس، أكد الخبير الطاقوي على أهمية إعادة الاعتبار لمؤسسة سوناطراك، من خلال اتخاذ الإجراءات اللازمة لتحسين مكانتها وتقويتها لتكون أحد أبرز المؤسسات العالمية في المجال النفطي، عبر التوجه إلى الاستثمار في مختلف مناطق العالم وعدم الاقتصار على إدارة نشاط الإنتاج، التنقيب والاستخراج في الصحراء الجزائرية. من جهته، قال البروفيسور شمس الدين شيتور إنه من غير المعقول ولا المقبول بناء قانون المالية والميزانيات القطاعية للوزارات على أسعار تحدد من وراء البحار، تكون عادة نتيجة لصراعات في المصالح الجيوسياسية بين القوى العظمى، لاسيما الولاياتالمتحدةالأمريكية وروسيا بإعانة قرارات تتخذ من قبل منظمة ”أوبك”، لتجعل من الجزائر أحد أهم الضحايا لارتباط اقتصادها الشديد بالريع. وذكر المتحدث، بناء على ذلك، بأن الحكومة مطالبة بالاستفاقة من ”الغيبوبة” التي تفرض عليها المواصلة في السياسة نفسها، وأشار في هذا الشأن إلى التوجه للاستثمار في الطاقات المتجددة، من منطلق أن أفضل ”البنوك” التي يمكن تخزين الاحتياطات الجزائرية على مستواها هي باطن الأرض، في إشارة إلى الحفاظ على هذه الثروات للأجيال المقبلة، على أنه قال إن التوجه إلى استغلال الغاز الصخري في الوقت الراهن خطير، بحكم عدم امتلاك الجزائر للتكنولوجيا الضرورية لذلك.