عرفت أسعار صرف الدينار مقابل العملات الرئيسية تقلبات عديدة، خلال الشهرين الماضيين بالخصوص، حيث انخفضت قيمة الدينار مقابل الأورو والدولار في الأسواق الرسمية للتعاملات ما بين البنوك دون أن تقدم المبررات الكامنة وراء هذا الانخفاض. تفيد المعطيات الصادرة عن بنك الجزائر في تداول 25 إلى 29 ديسمبر الجاري ببلوغ قيمة صرف الدينار 87.61 دينار شراء و87.63 دينار بيعا مقابل الدولار، بينما قدر ب107.19 دينار شراء و107.22 دينار بيعا بالنسبة للأورو، وكان سعر الصرف في نوفمبر الماضي على مستوى سوق المبادلات ما بين البنوك يقدر ب84.59 دينار للدولار و105.47 دينار للأورو، ما يكشف عن التغير المتدرج لسعر صرف الدينار مقابل العملات الرئيسية. ويأتي هذا التغير غير المعلن، في وقت توالت تصريحات ونصائح الهيئات المالية الدولية، بأهمية قيام الجزائر بخفض قيمة الدينار مراعاة لقيمته الاسمية الفعلية، معتبرة بأن السلطات العمومية في الجزائرية بالغت في الإنفاق، وتعتمد على قيمة صرف عملتها تفوق قيمتها الفعلية، وهو ما يضعف من قدرة الجزائر على المنافسة. ولكن يأتي هذا التغير أيضا في وقت سجلت فيه الواردات الجزائرية مستويات قياسية خلال السنة الجارية، بقيمة 56 مليار دولار وقرابة 65 مليار بحساب الخدمات، ما يعني انكماشا حادا في الإيرادات مع تراجع الصادرات إلى حدود 63 إلى 64 مليار دولار، رغم إقرار العمل بالاعتماد المستندي بالدرجة الأولى، ولكن أيضا التراجع المسجل في ناتج احتياطي الصرف لضعف المردود وتقلبات الصرف بين الدولار والأورو. وعليه، فإن انزلاق الدينار يمكن أن يترتب عنه عدد من الانعكاسات، بداية بإمكانية ارتفاع أسعار بعض المواد والمنتجات في 2015، في وقت تسعى فيه الحكومة إلى ضبط الموجة التضخمية، ومضاعفة قيمة الصادرات وناتج احتياطي الصرف بعمليات حسابية على أساس تغير سعر صرف الدينار، وبالتالي ارتفاع القيمة المعلن عنها بالعملة الصعبة، لأن القيمة الأصلية تحسب بالدينار الجزائري. وبما أن الجزائر ليست دولة مصدّرة بالأساس، فإن خفض سعر صرف عملتها لا يندرج في إطار السياسات التي تعتمدها بعض البلدان لضمان تنافسية منتجاتها في الخارج وضمان تموقعها في السوق الخارجي، حيث يساهم انخفاض سعر صرف العملة في تراجع سعر المنتوج والمواد المصدرة، ما يطرح التساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء التخفيض لقيمة صرف الدينار المتدرج، وهل هو مرتبط بوضعية التجارة الخارجية وتفاقم الواردات، حيث إن خفض قيمة الدينار يجعل عمليات الاستيراد أكثر كلفة، مع استخدام الاعتماد المستندي، وبالتالي يدفع المتعاملين إلى تقليص اللجوء إليها أو إعادة حساب التكاليف وبالتالي الرفع من الأسعار. في نفس السياق، فإن السوق الموازية تعتمد التقلبات المسجلة في السوق الدولية عادة، ولكن يبدو أن متعاملي السوق الموازية يراعون أيضا العوامل المحلية، لاسيما مع ازدياد الطلب على العملة في هذه الفترة، وخاصة الأورو، وهو ما يجعلها في حالة التراجع دوليا تتغاضى عن هذا العامل ما دام هنالك طلب على العملة، إضافة إلى غياب البدائل في ظل غياب مكاتب الصرف المعتمدة وعدم اتخاذ السلطات العمومية تدابير تحفيزية تمس الهوامش بالخصوص، وهو ما سيبقي السوق الموازية كمرجع ومعيار وحيد لتحديد قيمة العملة مقابل العملة الوطنية “الدينار” التي تظل عملة غير قابلة للصرف، إلا في المعاملات التجارية الخارجية. فالعملة الأجنبية مطلوبة بكثرة في السوق سواء من قبل المتعاملين أو كعامل اكتناز وادخار، مع تآكل قيمة الدينار، يضاف إليها عمليات التهريب للعملة أو التعاملات الخارجية غير الرسمية التي تجلت في اقتناء العقارات في الخارج، وساهمت العوامل مجتمعة في سعر صرف يتراوح ما بين 158 إلى 160 دينار لكل أورو على مستوى الأسواق الموازية، وإن ظلت السوق الموازية تتمتع بقدر كبير من الليونة مقارنة بسوق رسمي للعملة جامد.