أين كانت السلطة عندما ارتفع سعر النفط إلى مستويات قياسية؟ هناك قاعدة تقول: “أن تحكم معناه أن تحتاط”. والجزائر مرت بتجربة في عهد الرئيس الشادلي بن جديد، والرئيس بوتفليقة ووزيره الأول عبد المالك سلال ووزراء حاليون عاشوا تلك الفترة الصعبة، ولذلك كان من المفروض من هؤلاء لما بدأت البحبوحة المالية، أن تستثمر تلك الأموال في الصناعة والفلاحة والاستثمار في الخارج. ولما نرجع 15 سنة إلى الوراء، كانت 98 بالمائة من مداخيل الخزينة من عائدات المحروقات، وبعد انقضاء هذه الفترة، بقي الوضع على حاله، فما هي القيمة المضافة؟ الإجابة ببساطة: لا شيء. لقد فوتنا فرصة تاريخية لن تعوض، والسلطة ينبغي لها أن تدرك أنها فشلت فشلا ذريعا في حماية الاقتصاد والمال العام واستقرار الجزائر. سلال طلب تضامن الجزائريين، هل بذلك هو يخلي المسؤولية عن الحكومة؟ كلام سلال دليل على تخبط كبير لدى رجال السلطة، وكما سبق وقلنا، هم غير مؤهلين لتسيير شؤون البلاد والعباد. منذ 10 سنوات والأصوات ترفع من أجل استغلال الطفرة المالية، من أجل اقتصاد غير ريعي لا يعتمد على دخل وحيد. ولو نرجع للصحافة الوطنية الخاصة، نجد عشرات الأصوات من الداخل التي طالبت بتجسيد كل هذه الأمور، ذكرنا في المعارضة بأزمة 86 وقلنا إن هذه البحبوحة المالية لن تدوم، ونادينا بضرورة وقف صور البذخ ومهازل المهرجانات والتظاهرات والزردات. لكن العبث استمر واستشرى الفساد والأموال هربت. وبالتالي المسؤول الوحيد عن هذا الوضع هي السلطة، ولا يحق لها إذن أن تطلب من المواطنين التضامن معها والتضحية، لأن هذا الشعب لم يستفد من الريع النفطي. هل من الممكن تجاوز الأزمة الحالية؟ وجب التذكير بأنه من إحدى صور عبث السلطة بمال الشعب، أنها مسحت ديون دول أجنبية، وهنا تكمن المصيبة، فهذه السلطة لا تدرك أن هذا المال ليس ملكها وحق التصرف فيه من حق الشعب. ومن بين هذه الدول العراق، الذي مسحت ديونه التي قاربت مليار دولار، وهو البلد الذي يملك أضعاف ما تملكه الجزائر من ثروة بترولية. وبالعودة إلى سؤالك، إذا استمرت أسعار البترول في الانهيار، فمن الصعب تجاوز الأزمة الحالية، لأن الحل يكمن في إصلاح النظام سياسيا من العمق، عبر الذهاب إلى سلطة شرعية. أولا لأن هناك شغورا في الرئاسة، وثانيا أن تكون السلطة المقبلة شرعية لتتمكن من إقناع المواطنين وتعيد الثقة فيهم، وبالتالي يقبل بالتضحية. إنقاذ البلاد يتحقق أيضا في انتخابات رئاسية مسبقة تلد سلطة شرعية وتعيد الأمل، وغير هذا فالجزائر مقبلة على أزمة سياسية وقد تتطور إلى أمنية.