لا زيادة في أسعار الوقود ولا في قسيمات السيارات ولا رسوم جديدة، ولا حتى التخلي عن دعم أسعار المواد الأساسية في قانون المالية التكميلي لهذه السنة. بتفادي مثل هذه الإجراءات، استطاعت حكومة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أن تطمئن الجزائريين وتوهمهم بأن سياسة التقشف المعلن عنها لا تعنيهم لا من قريب ولا من بعيد. غير أن ما تخفيه الحكومة، من خلال التعليمات السرية الموجهة لمصالحها، منذ اشتداد أزمة انهيار أسعار البترول، تنبئ بخطورة الوضع وترسم لوحة سوداء لمستقبل الجزائريين، بعد أن قررت الدولة وقف جميع المشاريع العمومية التعليمية والصحية والتنموية، والتضحية برفاهية الجزائريين مستقبلا. وما يجسد خطورة الوضع، هو إسراع الحكومة، في تعليمة وجهها مؤخرا المدير العام للميزانية إلى جميع المصالح المعنية بتسيير ميزانيات الوزارات والإدارات العمومية، إلى تجميد جميع العمليات الخاصة بالتجهيزات العمومية، ما يعني إرجاء إنجاز المشاريع العمومية سواء في قطاع التعليم أو الصحة أو النقل أو الموارد المائية، أو ما يتعلق بتكثيف شبكات الإدارات العمومية إلى أجل غير مسمى، باستثناء ما وصفته الحكومة بالمشاريع الاستعجالية، والتي لن تسلم هي الأخرى من بيروقراطية التأجيل، بعد أن اشترط المدير العام للميزانية، في التعليمة الصادرة عنه، الحصول على ترخيص من الوزير الأول شخصيا للانطلاق في إنجازها. وفي قراءة أولية لتعليمة المسؤول الأول عن الميزانية، فإن الجزائريين سيكونون على موعد مع سنوات عجاف قريبا، بسبب استمرار ظاهرة اكتظاظ الجامعات والمدارس وتأزمها أكثر، نتيجة ارتفاع عدد المتمدرسين وقرار تجميد إنجاز جامعات ومدارس أخرى، إلى جانب تراجع عدد المرافق الصحية والخدمات العمومية كالنقل والتزود بالماء، والتخلي حتى عن مشاريع إيصال الكهرباء والغاز وغيرها من المشاريع العمومية. وقال رئيس نادي المخاطر الكبرى، كريم شلغوم، في اتصال هاتفي مع “الخبر”، إن سوء تسيير الحكومات المتعاقبة للبحبوحة المالية، التي ميزت الخمس عشرة سنة الماضية بما تجاوزت قيمته 800 مليار دولار، صرفت على مشاريع لا تتطابق والمعايير الدولية، هو سبب اضطرار الحكومة حاليا إلى وقف المشاريع العمومية. وحسب نفس الخبير، فإن تداعيات قرار وقف المشاريع العمومية، سيكون له أثر وخيم على الحياة اليومية للجزائريين، حيث سيدفع المواطنون فاتورة هذا القرار بعد أقل من سنة. في نفس الإطار، أكد شلغوم أن الحكومة مطالبة أيضا بإعادة إنفاق 30 بالمائة من الفاتورة الإجمالية التي خصصتها خلال السنوات الماضية لإنجاز مشاريع كبيرة، لإعادة ترميم وصيانة عدد كبير منها، مستدلا بالطريق السيار الذي كلف، حسبه، ما قيمته 15 مليار دولار، ستضاف إليها 7 ملايير أخرى، ستوجه لإعادة ترميم وصيانة الأجزاء المتلفة من الطريق. من جهته، أكد الخبير الاقتصادي، محمد بهلول، أن حكومة سلال لازالت تلعب دور رجل المطافئ الذي يظهر في كل مرة لإخماد نيران وضعية متأزمة، دون إيجاد حلول جذرية لها. وككل مرة، تستثمر حكومة سلال في شراء السلم الاجتماعي وصمت الجزائريين، دون الاكتراث بتحديد سياسة بعيدة المدى تضمن للأجيال الصاعدة ظروفا معيشية مقبولة.