وضعت باريسوالرباط إقالة الفريق محمد مدين، المدعو توفيق، من منصبه كمدير لجهاز الأمن والاستعلامات، “الدياراس”، الأسبوع الماضي، على رأس الملفات الحساسة المطروحة للبحث بين عاهل المغرب، الملك محمد السادس، وضيفه الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، بمناسبة زيارته المغرب اليومين الماضيين. المخزن يتهم توفيق بالوقوف ضد فتح الحدود وإنهاء النزاع الصحراوي تعتبر الرباط ملف التغييرات التي أجراها الرئيس بوتفليقة على مؤسسة الجيش والاستخبارات، شأنا يكاد يكون “داخليا”، لارتباط الأزمات بين البلدين باستخباراتهما، والرباط أكثر العواصم ترغب في الوصول إلى عمق الحاصل على مستوى المخابرات الجزائرية، التي تعتبرها عدوا لدودا، ومهندسا لعديد المواقف التي يعتبرها المغرب نابعة من رأس جهاز الاستخبارات والأمن، وتريد الرباط بطرحها ملف رحيل الجنرال توفيق، معرفة، من الفرنسيين، طبيعة تعاطي الجهاز مستقبلا مع ملف الصحراء الغربية وفتح الحدود وغيرها في ظل القيادة الجديدة للجهاز. وبحسب الفرنسيين، فإن زيارة هولاند للرباط، تكتسي أهمية كبيرة، على اعتبار أنها تأتي بعد أزمة عرفت بقضية مدير مكافحة الجوسسة في جهاز الاستخبارات المغربي، المتابع من طرف القضاء الفرنسي بارتكاب جرائم ضد الإنسانية وممارسة التعذيب على معتقلين ومعارضين سياسيين للعرش العلوي. غير أن ذات المصادر لا تنفي وجود اسم الفريق توفيق فوق طاولة المباحثات التي ستتم في جلسة مغلقة بين هولاند ومحمد السادس بقصره في مدينة طنجة. وفي هذا الصدد، يقول بيار فيرميران، أستاذ التاريخ في جامعة باريس 1 والخبير في شؤون المغرب العربي، إن من الطبيعي جدا تناول قائدي البلدين بالبحث حدث إقالة الفريق توفيق، الأسبوع الفارط، خاصة وأن رحيله أحدث زلزالا في الجزائر وعدة عواصم عالمية، ومنها الرباط التي كانت تنظر إليه وجهازه على أنه المسؤول الأول عن تعثر محاولات تطبيع العلاقات مع الرباط. وفي هذا الصدد، يظهر موضوع الحدود البرية بين البلدين الجارين، والمغلقة منذ أوت 1994 عقب الهجوم الإرهابي على فندق بمدينة مراكش، واتهمت فيه المخابرات الجزائرية بتدبيره وتنفيذه، وفرض التأشيرة على الرعايا الجزائريين، وهو ما دفع بالجزائر إلى المعاملة بالمثل بفرض التأشيرة على المغاربة وغلق الحدود البرية. ويتابع ذات الخبير موضحا في تصريحات لجريدة “لوموند” الفرنسية: “فضلا على العلاقات مع الجزائر بعد رحيل الجنرال توفيق، فإن قضية الصحراء (الغربية) تحظى بمكانة خاصة في برنامج زيارة هولاند، وذلك يرجع إلى الموقف الفرنسي الداعم للمقترح المغربي الداعي إلى منح الصحراويين حكما ذاتيا يستثني مهام الدفاع الوطني والشؤون الخارجية”. وهنا أيضا، يتهم العرش المغربي المخابرات ورأسها السابق الفريق توفيق، بالوقوف وراء جبهة البوليزاريو، ودعمها ماديا ودبلوماسيا وإعلاميا، ويحمّله مسؤولية تأخر تسوية النزاع الذي تعتبره الرباط ثنائيا وليس دوليا، خلافا للموقف الجزائري القائم على مبدأ دعم قضايا تصفية الاستعمار في العالم وليس الصحراء الغربية فقط، زيادة على رفضها أي تفاوض مع المغرب حول هذه القضية التي هي من اختصاص منظمة الأممالمتحدة التي ترعى استفتاء تقرير المصير منذ عقود كحل وحيد للنزاع. ولا تستغرب الجزائر لعب الرباط على وتر زرع الشك بين انسجام العمل بين جهاز المخابرات والجيش من جهة، ورئاسة الجمهورية من جهة أخرى، في التعامل مع ملفي الحدود المغلقة وقضية الصحراء.. علما بأن الرباط كانت على الدوام تجهض مسارات التقارب بين البلدين بشن حملات إعلامية ضد القيادة الجزائرية، السياسية والعسكرية، وتبني سياسة إغراق المجتمع الجزائري بأطنان الكيف المغربي، والسعي إلى تشويه الأوضاع في الجزائر في وسائل الإعلام العالمية وبوجه خاص باعتبار السلطة فيها “نظاما شموليا تسيره المخابرات”. ويهم الرباط استقراء إن كانت هناك إستراتيجية جزائرية مخابراتية جديدة، في ملف العلاقات بين البلدين، بعد رحيل الجنرال توفيق، وما إذا كان خلفه عثمان طرطاڤ، يسير في نفس نهج سلفه، خاصة ما تعلق بملفي فتح الحدود وملف الصحراء الغربية، اللذين كانا وقودا لحرب مخابراتية شرسة بين استعلامات البلدين.