للجزائريين مع الشاعر العربي الكبير أدونيس حكاية عجيبة تكشف عن الروح الانفعالية والحماس الشديد الذي نحكم به نحن الجزائريين على الأمور وعلى الأشخاص. فقد أثارت المقابلة التي قدمتها إحدى القنوات المصرية المعروفة معه إعجابا هستيريا لدينا، خاصة أنه كان يحاور إحدى المذيعات التي عرف زوجها بمواقفه المخزية فترة الصراع الكروي الصبياني الجزائري المصري، فالإعجاب الجزائري بأدونيس كان مزدوجا: أولا بجوابه، وثانيا نكاية في مقدمة البرنامج التي أزعجها جوابه حين ردَ على سؤالها حول تاريخ النضال العربي الذي أنكره في الأول كان ذهنه مسقفا بمنطقة الشرق العربي كما هو حال المشارقة عموما عندما يتكلمون عن العرب ليستدرك بعد إلحاحها بالقول إن النضال العربي الحقيقي والوحيد هو نضال الشعب الجزائري، وهو الشيء الذي لم يرق لها (ولها الحق في ذلك لأننا لا يمكن أن ننكر بجرة قلم كل التاريخ النضالي العربي، والثورة الفلسطينية تقدم لنا أحد الأمثلة عن ذلك) وهو الجواب الذي أعجب به الجزائريون وأثار حماستهم، بينما ثرنا في وجه الرجل جمعيات وفرادى واتهمناه بكل التهم التي لا تليق بمقامه كمفكر عربي كبير ترشحه رغما عنا وبجدارة واستحقاق دوائر كبيرة محلية ودولية لجائزة نوبل للآداب وذلك في زيارته الأخيرة للجزائر بدعوة من المكتبة الوطنية سنة 2008. أذكر جيدا وقد كنت ضمن الطاقم المسير للمكتبة وقتها ما قاله في المحاضرة التي قدمها والتي كانت حول الممانعة السياسية في التاريخ العربي الإسلامي والتي خلص في نهايتها إلى أن الممانعة بل الممارسة السياسية الإسلامية عموما لم تنتج لنا نظرية حول الدولة. وقد أسس على هذه النتيجة فكرة مركزية مفادها أن الاعتقاد بإمكانية قيام دولة إسلامية في وقتنا الحاضر هو ضرب من الخيال والدجل السياسي، طالما أننا لا نملك نظرية في الدولة أصلا. بل إن هذا الاعتقاد ما هو سوى دعوة لمزيد من التقاتل وسفك الدماء باسم الإسلام للأسف الشديد، ولنا في ما ورد على لسان ”الشهرستاني” خير دليل على ما نقول، حيث جاء ضمن كلامه عن السياسة أنه ”ما استل سيف في الإسلام مثل ما استل على الإمامة”. تكلم أدونيس عن قضية المرأة في الإسلام في ندوة نظمتها جريدة من الجرائد الوطنية بعيدا عن المكتبة الوطنية، وجاء في كلامه أن المرأة مقموعة في الإسلام والفقه الذي اشتغل على قضاياها لم ينصفها، وطالما أننا لم ننتبه إلى دورها الاجتماعي ونعيد النظر في مكانتها وأهميتها في المجتمع، فلن تكون هناك تنمية حقيقية في عالمنا العربي، فاعتبر هذا الكلام في حينه من كثير من أبناء هذا الوطن العزيز تجريحا للإسلام، بل مسّ بالمقدس. فقامت قيامة الغوغاء التي تحكم على القضايا والأشخاص بانفعالاتها الهوجاء، فسبت ولعنت فتمَّ إغلاق منارة علم كان يأتيها المفكرون والعلماء من كل بقاع الأرض بمن فيهم رجال الدين، بل وعلماء جمعية العلماء المسلمين أنفسهم، التي كانت طرفا مهما فيما حصل للمكتبة الوطنية آنذاك. لا أتصور أن كلام أدونيس حول الفكر السياسي في الإسلام وعن مكانة المرأة فيه قد جانب الصواب كثيرا، وهو في الحقيقة كلام يتقاسمه معه عدد من الباحثين والمفكرين العرب ومنهم بعض الجزائريين، فقد كتب الأستاذ عبد الله شريط وحاضر في المكان نفسه وقال الكلام نفسه قبل مجيء أدونيس بكثير، وهو الأستاذ العارف بقضايا التراث السياسي منه بالخصوص. بالمختصر هو كلام لا يمكن الاستهانة بقائليه أو الرد عليهم بالسب والشتم والتكفير، وهو بالضبط ما حصل للشاعر والمفكر العربي الكبير أدونيس للأسف الشديد. رفعناه إلى السماء لأنه قال كلاما جميلا دغدغ مشاعرنا الوطنية المغلوطة في كثير من الأحيان، ورغم الاضطراب الذي ساد كلامه (وأنا هنا أدعوكم إلى إعادة مشاهدة مقطع الفيديو)، وندفع به إلى الجحيم لأنه قال كلاما أقرب للموضوعية يخص تاريخنا وتراثنا، هذا التراث الذي ينافق فيه كثير من المحسوبين على الإسلام، وقد ضجر منهم الدين نفسه. فأين عقولنا أيها السادة لتخلصنا من أحكام المشاعر والأهواء التي طال بها المقام في أدمغتنا، عقولنا التي لا يمكن أن نمتلك معرفة حقيقية للطبيعة وللناس إلا بها؟ وحينما نصل إلى هذا المقام سنكتشف أن شخصية أدونيس هي شخصية غير التي أمدتنا بها انفعالاتنا الهوجاء، سواء المهللة منها أو الناقمة، بل هو مفكر عربي وعالمي كبير، توافقه أو تختلف معه لك كل الحرية في ذلك، ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه احترام العلماء الكبار.❊ للجزائريين مع الشاعر العربي الكبير أدونيس حكاية عجيبة تكشف عن الروح الانفعالية والحماس الشديد الذي نحكم به نحن الجزائريين على الأمور وعلى الأشخاص. فقد أثارت المقابلة التي قدمتها إحدى القنوات المصرية المعروفة معه إعجابا هستيريا لدينا، خاصة أنه كان يحاور إحدى المذيعات التي عرف زوجها بمواقفه المخزية فترة الصراع الكروي الصبياني الجزائري المصري، فالإعجاب الجزائري بأدونيس كان مزدوجا: أولا بجوابه، وثانيا نكاية في مقدمة البرنامج التي أزعجها جوابه حين ردَ على سؤالها حول تاريخ النضال العربي الذي أنكره في الأول كان ذهنه مسقفا بمنطقة الشرق العربي كما هو حال المشارقة عموما عندما يتكلمون عن العرب ليستدرك بعد إلحاحها بالقول إن النضال العربي الحقيقي والوحيد هو نضال الشعب الجزائري، وهو الشيء الذي لم يرق لها (ولها الحق في ذلك لأننا لا يمكن أن ننكر بجرة قلم كل التاريخ النضالي العربي، والثورة الفلسطينية تقدم لنا أحد الأمثلة عن ذلك) وهو الجواب الذي أعجب به الجزائريون وأثار حماستهم، بينما ثرنا في وجه الرجل جمعيات وفرادى واتهمناه بكل التهم التي لا تليق بمقامه كمفكر عربي كبير ترشحه رغما عنا وبجدارة واستحقاق دوائر كبيرة محلية ودولية لجائزة نوبل للآداب وذلك في زيارته الأخيرة للجزائر بدعوة من المكتبة الوطنية سنة 2008. أذكر جيدا وقد كنت ضمن الطاقم المسير للمكتبة وقتها ما قاله في المحاضرة التي قدمها والتي كانت حول الممانعة السياسية في التاريخ العربي الإسلامي والتي خلص في نهايتها إلى أن الممانعة بل الممارسة السياسية الإسلامية عموما لم تنتج لنا نظرية حول الدولة. وقد أسس على هذه النتيجة فكرة مركزية مفادها أن الاعتقاد بإمكانية قيام دولة إسلامية في وقتنا الحاضر هو ضرب من الخيال والدجل السياسي، طالما أننا لا نملك نظرية في الدولة أصلا. بل إن هذا الاعتقاد ما هو سوى دعوة لمزيد من التقاتل وسفك الدماء باسم الإسلام للأسف الشديد، ولنا في ما ورد على لسان ”الشهرستاني” خير دليل على ما نقول، حيث جاء ضمن كلامه عن السياسة أنه ”ما استل سيف في الإسلام مثل ما استل على الإمامة”. تكلم أدونيس عن قضية المرأة في الإسلام في ندوة نظمتها جريدة من الجرائد الوطنية بعيدا عن المكتبة الوطنية، وجاء في كلامه أن المرأة مقموعة في الإسلام والفقه الذي اشتغل على قضاياها لم ينصفها، وطالما أننا لم ننتبه إلى دورها الاجتماعي ونعيد النظر في مكانتها وأهميتها في المجتمع، فلن تكون هناك تنمية حقيقية في عالمنا العربي، فاعتبر هذا الكلام في حينه من كثير من أبناء هذا الوطن العزيز تجريحا للإسلام، بل مسّ بالمقدس. فقامت قيامة الغوغاء التي تحكم على القضايا والأشخاص بانفعالاتها الهوجاء، فسبت ولعنت فتمَّ إغلاق منارة علم كان يأتيها المفكرون والعلماء من كل بقاع الأرض بمن فيهم رجال الدين، بل وعلماء جمعية العلماء المسلمين أنفسهم، التي كانت طرفا مهما فيما حصل للمكتبة الوطنية آنذاك. لا أتصور أن كلام أدونيس حول الفكر السياسي في الإسلام وعن مكانة المرأة فيه قد جانب الصواب كثيرا، وهو في الحقيقة كلام يتقاسمه معه عدد من الباحثين والمفكرين العرب ومنهم بعض الجزائريين، فقد كتب الأستاذ عبد الله شريط وحاضر في المكان نفسه وقال الكلام نفسه قبل مجيء أدونيس بكثير، وهو الأستاذ العارف بقضايا التراث السياسي منه بالخصوص. بالمختصر هو كلام لا يمكن الاستهانة بقائليه أو الرد عليهم بالسب والشتم والتكفير، وهو بالضبط ما حصل للشاعر والمفكر العربي الكبير أدونيس للأسف الشديد. رفعناه إلى السماء لأنه قال كلاما جميلا دغدغ مشاعرنا الوطنية المغلوطة في كثير من الأحيان، ورغم الاضطراب الذي ساد كلامه (وأنا هنا أدعوكم إلى إعادة مشاهدة مقطع الفيديو)، وندفع به إلى الجحيم لأنه قال كلاما أقرب للموضوعية يخص تاريخنا وتراثنا، هذا التراث الذي ينافق فيه كثير من المحسوبين على الإسلام، وقد ضجر منهم الدين نفسه. فأين عقولنا أيها السادة لتخلصنا من أحكام المشاعر والأهواء التي طال بها المقام في أدمغتنا، عقولنا التي لا يمكن أن نمتلك معرفة حقيقية للطبيعة وللناس إلا بها؟ وحينما نصل إلى هذا المقام سنكتشف أن شخصية أدونيس هي شخصية غير التي أمدتنا بها انفعالاتنا الهوجاء، سواء المهللة منها أو الناقمة، بل هو مفكر عربي وعالمي كبير، توافقه أو تختلف معه لك كل الحرية في ذلك، ولكنك لا تملك إلا أن تحترمه احترام العلماء الكبار.