خلف غياب قنوات الحوار داخل السلطة وحتى بين أحزاب الموالاة والمعارضة، وكذا استمرار غياب الرئيس عن الساحة، إلى ظهور موضة جديدة عرفت ب”دبلوماسية الرسائل”. تحولت وسائل الإعلام خلال 2015، إلى ساعي بريد لنقل رسائل سياسيين وحتى عسكريين فضلوا مخاطبة الرئيس عبرها. والغريب في الأمر أن هؤلاء السياسيين كانوا يجالسون الرئيس في فترة سابقة على غرار ما يعرف بمجموعة ”19-4” التي برزت للساحة السياسية بقيادة الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، وكذا وزيرة الثقافة السابقة خليدة تومي، بالإضافة إلى مجاهدين وحقوقيين طالبوا بلقاء رئيس الجمهورية لاطلاعه على ما تعيشه الساحة السياسية من ”سطو رجال المال على الجزائر”، وكذا القرارات التي تم اتخاذها شككت تلك الشخصيات أنها تكون نابعة من شخص الرئيس الذي أكد في العديد من المرات على أهمية الحفاظ على الطابع الاجتماعي للدولة، كما لا تزال تلك الشخصيات مصممة على هدفها وهو لقاء شخص الرئيس الذي لم يرد بالرفض أو القبول على الرسالة. بالمقابل، عرفت هذه الخطوة التي أقدمت عليها تلك الشخصيات معارضة شديدة من طرف أحزاب الموالاة، وفي مقدمتهم جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، حيث اتهمت المجموعة بالخيانة ومحاولتها للحصول على امتيازات شخصية، ما خلق حالة من العراك السياسي كان أبطاله مجموعة من الشخصيات في مقدمتهم الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، والأمين العام لجبهة التحرير الوطني عمار سعداني، كما لاقت الرسالة أيضا ردا من شخصيات أخرى محسوبة على جبهة التحرير الوطني، على غرار وزير التعليم العالي السابق رشيد حراوبية، ووزير النقل السابق عمار تو. ورغم أن الرسالة عرفت جدلا، إلا أنها كشفت عن رسائل أخرى كان قد بعث بها سياسيون إلى الرئيس، حيث كشف رئيس جبهة التغيير، عبد المجيد مناصرة، عن توجيه رسالة إلى رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، لتحذيره من خطورة الوضع الذي تمر به البلاد، وكذا دعوته إلى عقد ندوة وطنية جامعة بغرض التوافق على الحل، لكن بوتفليقة لم يرد على الطلب بعد، مضيفا أنها حملت عنوان ”التوافق وعقد ندوة وطنية رباعية جامعة للخروج من الأزمة، تجمع كلا من الحكومة، الطبقة السياسية، الشركاء الاجتماعين، والاقتصاديين إلى طاولة واحدة”. وبعد صمت دام أكثر من ربع قرن، خرج الفريق المتقاعد المعروف ب”الجنرال توفيق”، عن صمته عبر رسالة هو الآخر عبر فيها عن ذهوله من الحكم الصادر في حق الجنرال حسان، الذي أدين بخمس سنوات سجنا، وهي الرسالة التي خلفت جملة من التصريحات بين الأحزاب السياسية المدافعة عن شخص الجنرال توفيق، وحزب الأفالان الذي انتقد كثيرا خرجة ”توفيق” على غرار عمار سعداني، الذي قال إن رسالته تشبه حالة الغريق الذي يحتاج إلى من ينقذه. وبالمقابل، أوضحت الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، أن رسالة مدين، كانت ثقيلة في معانيها، وأنها جاءت بعد الغلق الذي مورس على العديد من الشخصيات التي أرادت لقاء الرئيس. وفي ذات السياق، وبعد ما خلفه قانون المالية ل2016 من موجة غضب في صفوف نواب المجلس الشعبي الوطني، قرر نواب المعارضة توجيه رسالة لرئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، يطالبون فيها بإسقاط قانون المالية ل2016، ”الجائر واللاوطني”، حيث وفي بيان وقعه نواب ينتمون إلى عدة أحزاب معارضة ممثلة في المجلس الشعبي الوطني، أكد النواب توجيه مراسلة لرئيس الجمهورية لإخطاره بما وصفوه ب”الانزلاقات الخطيرة التي سجلت أثناء مسار المصادقة على قانون المالية 2016، وبالعواقب التي تنجر عن تطبيق هذا القانون وعدم دستوريته”. وأعلن النواب أنهم يعتزمون مراسلة المجلس الدستوري للنظر في مدى دستورية هذا القانون، وكذا مراسلة زملائهم أعضاء مجلس الأمة لإبلاغهم ب”الخروقات القانونية والدستورية التي مست مشروع هذا القانون”، وقالوا إن قانون المالية ل2016، تم تمريره ب”عملية انقلاب ضد المؤسسة التشريعية باستعمال كل الوسائل اللاديمقراطية واللاسياسية واللاأخلاقية من أطراف خارج المجلس بتنفيذ وكلائهم من الداخل الذين لجأوا إلى شتى الطرق والأساليب الدنيئة لفرضه بعد مصادرة صلاحيات النواب بإلغاء 22 تعديلا من طرف مكتب المجلس”. وأمام هذا المشهد الذي عرفته الساحة السياسية طيلة 2015، تربع رئيس الجمهورية على عرش الشخصيات التي استعملت الرسائل لمخاطبة الشعب، حيث وبعد تسلمه لمهامه كرئيس للجمهورية لولاية رابعة، عاود بوتفليقة الركون إلى ”الراحة” بعد أن تجدد القلق حول وضعه الصحي الذي دفع به إلى الانتقال أكثر من مرّة إلى العلاج بفرنسا، وقد أدى هذا الوضع إلى غياب القاضي الأول للبلاد، عن ممارسة مهامه بصورة ”طبيعية” كما كان عليه في عهداته السابقة التي سبقت الوعكة الصحية التي ألمت به سواء على المستوى الداخلي أو الخارجي، واكتفى ظهوره بصورة علنية عبر شاشة التلفزيون، وتزامنت في مجملها باستقباله لبعض قيادات الدولة أو وفود أجنبية، بينما ناب عنه مسؤولين بالجهاز التنفيذي في المحافل الدولية. وقد تميزت عهدة الرئيس بظهور ”أسلوب جديد” في تعامله مع الأحداث السياسية والاجتماعية الكبرى التي شهدتها الجزائر، حيث خاطب الشعب وخصومه وحلفاءه سواء بالجزائر أو خارجها عبر ”الرسائل”، حرصا على ”صحته” وعدم المغامرة بوضعه من أي جهد بدني قد يترتب عن خطاب تسجيلي، ولعل الصورة التي ظهر فيها عقب أداء اليمين الدستورية لا تزال راسخة في أذهان الجزائريين. وبهذا عاش الجزائريون خلال 2015 على وقع رسائل ذاهبة وآتية فهم البعض معناها، فيما طالب آخرون بالكف عن هذه السياسة التي تختفي وراءها العديد من الشخصيات وحتى الذين يريدون تصفية حساباتهم، مطالبين بعودة الحوار البناء خاصة في الظرف الحالي التي تعيشه البلاد بعد تهاوي أسعار النفط والأوضاع الملتهبة على الحدود. خديجة قوجيل
بورصتها ترتفع بمسميات مختلفة ومطلب واحد تعددت المبادرات السياسية وغاب التوافق
سجلت الساحة السياسية ارتفاع بورصة المبادرات السياسية، حيث شهدت سنة 2015 تنافسا غير مسبوق بين التشكيلات الحزبية في طرح مبادرات وفق مسميات مختلفة، تصب جميعها في عنوان واحد وهو وضع خارطة طريق لمستقبل البلاد. المتابع للشأن السياسي لم يعد يميز بين المبادرات السياسية ولا يعرف محتواها باعتبار أن رؤساء الأحزاب المعنية بهذه المبادرات لم يحددوا معالمها. وفي الوقت التي كان مصير بعض المبادرات السياسية الفشل حتى قبل ولادتها، ماتزال مبادرات أخرى في سباق مع الزمن لإنقاذ نفسها، وتبقى مبادرة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، بشأن تعديل الدستور، المبادرة الأقوى والمشروع الوحيد الذي مازال يتلقى ردود فعل من الطبقة السياسية في انتظار الإفراج عن الوثيقة الرسمية والنهائية. وبالإضافة إلى مبادرة الانتقال الديمقراطي لأحزاب المعارضة التي لا تزال تراوح مكانها رغم مرور أكثر من عام على ندوة ”مزفران” التي شهدت ميلاد هذا القطب المعارض، طرحت مبادرة أخرى تحت عنوان ”دعم برنامج الرئيس” التي أطلقها الأمين العام للأفالان عمار سعداني، في أكتوبر الماضي، والتي لم تحقق إجماع القوى السياسية المهمة في البلاد، حيث لقيت رفضا مطلقا من التجمع الوطني الديمقراطي بقيادة أويحيى، كما اعتبرتها تنسيقية الانتقال الديمقراطي للمعارضة بمثابة تلويث للعمل السياسي، فيما ذهبت زعيمة حزب العمال، لويزة حنون إلى القول إنها لا تنخرط في مبادرة لا تتقاسم مع أصحابها نفس المبادئ. بالمقابل، نجد مبادرة ”التحالف الرئاسي” لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، التي عرفت رفضا شديدا من طرف الأفالان الحليف الرئيسي ل”الأرندي”، ما جعلها تراوح مكانها دون أن تحقق أي تقدم يذكر منذ الإعلان عنها رسميا من طرف الأمين العام بالنيابة لثاني أقوى حزب في البلاد أحمد أويحيى. كما سبق وأن طرح الأفافاس، أقدم حزب معارض، مبادرة الإجماع الوطني والتي رغم المشاورات الكثيرة والعديدة التي أجرتها قيادة حزب ”الدا الحسين” مع مختلف التشكيلات السياسية، إلا أنها لم تلق التجاوب المطلوب من أجل إنجاحها. وجاءت دعوة رئيس حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، لفتح مرحلة جديدة من الحوارات مع أطراف السلطة والمعارضة لتزيد في زخم المبادرات المطروحة على الساحة السياسية، منذ ما قبل الرئاسيات الأخيرة وحتى أيامنا هذه، لإنهاء حالة الانسداد السياسي، ورغم تعدد مشارب تلك الدعوات إلا أنها تلتقي في أنها لم تحقق التوافق، وبقيت بعد مراحل من إعلانها تراوح مكانها. كما أعلنت بعض الأحزاب السياسية، عن مبادرات لتحقيق توافق سياسي يؤمن خروجا سلميا من الاحتقان السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تعيشه الجزائر، كمبادرة ”الجدار الوطني” لحزب تجمع أمل الجزائر ”تاج” التي يريد زعيمه عمار غول ضمها إلى مبادرة الأفالان باعتبار أن المبادرتين تتقاطعان في العديد من النقاط. مبادرة الحل الوسط لحزب الحركة الشعبية الجزائرية التي يهدف من ورائها زعيمها عمارة بن يونس إلى التوفيق بين كل المبادرات المطروحة على مستوى أحزاب الموالاة لخلق مبادرة واحدة جامعة، كما طرحت جبهة التغيير ما أسمته وثيقة التوافق الديمقراطي، دعا من خلالها عبد المجيد مناصرة، جميع الأطراف والفاعلين في الساحة السياسية إلى تبنيها بهدف منع ”الاستقطاب الإيديولوجي الحاد”، كما جاءت حركة البناء الوطني بمشروع تشكيل جدار وطني، لمواجهة الأخطار الكبرى التي تهدد الثوابت والاستقرار الاجتماعي. وأخيرا مبادرة مجموعة 19 4 التي طالبت بلقاء رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة، والتي لا تزال لحد الآن مجرد حبر على ورق لأن الرئيس لم يرد على المجموعة لا سلبا ولا إيجابا. سارة بوطالب
القيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش ل”الفجر”: سياسية ”الرسائل” دليل على وجود أزمة حقيقية بخصوص منصب رئيس الجمهورية
وصف القيادي في حركة مجتمع السلم، ناصر حمدادوش، ديبلوماسية الرسائل التي طبعت الساحة السياسية خلال الفترة الماضية، ب”دليل قاطع على وجود أزمة عميقة في البلاد نتيجة غياب رئيس الجمهورية القاضي الأول في البلاد”. واعتبر حمدادوش، في اتصال مع ”الفجر”، أن ظاهرة الرسائل التي بات يتبادلها سياسيون وحتى عسكريون، على غرار مجموعة 19، وكذا رسالة الجنرال توفيق، دليل على حالة الاحتقان التي تعيشها الساحة السياسية، وعدم الشفافية والوضوح في مكونات السلطة السياسية، مشيرا إلى أنها حالة غير طبيعية وغير صحية تدل على الانسداد. بالمقابل، قال المتحدث إن ديبلوماسية الرسائل دليل على وجود أزمة حقيقية في منصب رئيس الجمهورية، وهو الأمر الذي ولد حسبه، حالة من الترهل في الساحة السياسية بلغت حد استنجاد البعض من الساسة والشخصيات بوسائل الإعلام لتبليغ الرئيس بمختلف القضايا، على غرار ما جرى داخل قبة البرلمان خلال التصويت على قانون المالية ل2016، وقال إنه ”أمر غير طبيعي أن تصل هذه الأمور إلى درجة اختطاف منصب الرئيس والحكم بالنيابة”. خ.قوجيل
الموالاة ترحب بالمبادرات السياسية والمعارضة تؤكد أن المرحلة فرضتها قال الناطق الرسمي لحزب جبهة التحرير الوطني، حسن خلدون، في تصريح ل”الفجر”، إنه من حق أي حزب سياسي اقتراح مبادرات، وهو أمر جيد يدل على وجود حراك سياسي وأن الأحزاب تشتغل، مشيرا إلى وجود قواسم مشتركة بين المبادرات المطروحة على الساحة السياسية التي تصب في مجملها حول طبيعة النظام والحفاظ على أمن واستقرار البلاد. وحسب خلدون لا يمكن في الوقت الحالي الحكم على المبادرات بالنجاح أو بالفشل، لأن المبادرات مازالت في بدايتها، مبرزا أن مبادرة الأفالان الداعية إلى دعم برنامج الرئيس بوتفليقة، تعد أكثر المبادرات تقدما بدليل انضمام 30 حزبا وأكثر من 300 جمعية ومنظمة وطنية بصفة رسمية. ومن جهته، أكد رئيس حزب جيل جديد، جيلالي سفيان، في تصريح ل”الفجر”، أن تعدد المبادرات المطروحة على الساحة السياسية أمر طبيعي، موضحا أن الجزائر من 1999 وإلى غاية 2011، عرفت ركود تام للساحة السياسية في ظل غياب المعارضة، لكن في 2011 شهدت الكثير من الدول العربية على غرار سوريا وليبيا وتونس ما يعرف بالربيع العربي، وهو ما أدى حسبه إلى ظهور حراك سياسي في الجزائر، نجم عنه تأسيس أحزاب جديدة مستقلة، وأصبح للمعارضة هامش للتحرك خاصة وأن النظام أصبح تحت الضغط بسبب مرض الرئيس، مبرزا أن مبادرة الأفالان التي أطلقها الأمين العام للحزب، عمار سعداني، كانت بمثابة رد دفاعي على مبادرة الانتقال الديمقراطي للمعارضة.