يلاحظ القاضي النقابي سابقا، عبد الله هبول، أن الدعوى التي رفعها وزير الاتصال لإبطال عملية بيع أسهم من شركة “الخبر” لشركة “ناس برود”، تزامنت مع تواجد الرئيس عبد العزيز بوتفليقة في الخارج، ما يعني، حسبه، أن هناك جهة أوعزت لحميد ڤرين بتحريك الدعوى في القضاء الاستعجالي. ويذكر هبول، في مقابلة مع “الخبر”، أن القضاة المكلفين بمعالجة القضية غدا، ملزمون بعدم التغطية على الخروقات التي ارتكبها وزير الاتصال والتي تضمنتها الدعوى التي رفعها، “لأن القاضي لا يخضع إلا للقانون حسب ما ينص عليه الدستور”. تبدو قضية “الخبر” التي ستنظر فيها المحكمة الإدارية غدا معقدة. هل تطرح برأيك صعوبات على القضاء الإداري ليفصل فيها؟ الدعوى الاستعجالية التي رفعها وزير الاتصال حميد ڤرين لإبطال بيع أسهم من شركة “الخبر” إلى شركة “ناس برود”، تمرين سهل وبسيط من الناحية القانونية. فأي دعوى تطرح على القاضي يبحث أولا وقبل أي شيء آخر، عما إذا كان المدعي يحمل الصفة لتحريك الدعوى، وهذا طبقا للمادة 13 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية. وفي هذا الصدد، فالقانون العضوي المتعلق بالإعلام يحدد الجهة المخول لها رفع الدعوى وهي سلطة الضبط للصحافة المكتوبة. وفيما يخص مضمون طلب إبطال عقد بيع أسهم فهو يمس أصل حقوق الأطراف، وهنا تخرج القضية عن اختصاص الاستعجالي، بمعنى أن القضاء الاستعجالي ليست له أية صلاحية لإبطال العقود. في كل الأنظمة القضائية عبر العالم، القضاء الاستعجالي لا يملك الصلاحية على الإطلاق لإبطال العقود. بعيدا عن الجوانب القانونية للقضية، هل تعتقد أن وزير الاتصال تحمل بمفرده مسؤولية المبادرة برفع القضية في الاستعجالي؟ ما دام أن وزير الاتصال لا يملك الصفة لإقامة هذه الدعوى وتقديم هذا الطلب، وبالتالي إقحام الحكومة في موضوع الصفقة، التي هي عملية تجارية محضة، فنحن في هذه الحالة أمام خرق واضح للقانون وتجاوز للصلاحيات من طرف وزير الاتصال، وهو ما أثار كل هذه الضجة وردود فعل على الصعيدين السياسي والقانوني. وفي تقديري، بما أن وزير الاتصال ليس له أي انتماء حزبي، فهو ضعيف سياسيا، لذلك لا أتصور أن تأتي منه المبادرة برفع دعوى في الاستعجالي.. تقصد أن جهة أعلى من ڤرين أوعزت برفع الدعوى في القضاء؟ ليس لدي أدنى شك في ذلك. فوزير الاتصال تحرك بإيعاز، وهذا الإيعاز يتجاوز حتى الوزير الأول محدود الصلاحيات والتأثير. أنت تشير إلى رئيس الجمهورية في هذه الحالة؟ ما يلفت الانتباه في هذه الزوبعة أن رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، كان في الخارج بغرض العلاج حسب بيان للرئاسة، عندما رفعت وزارة الاتصال الدعوى أمام القضاء الاستعجالي. فقد تم تسجيلها بالمحكمة يوم 26 ماي 2016، والرئيس في ذلك اليوم كان في جنيف، ما يعني أن قرار رفع الدعوى اتخذ في غيابه والجهة أو الشخص الذي يكون أعطى الأوامر بتحريك الدعوى، هو شقيق الرئيس ومستشاره، السعيد بوتفليقة، الذي تتهمه المعارضة بأنه يستحوذ على صلاحيات رئيس الجمهورية. هل تعتقد أن وزير الاتصال بادر بتحريك الدعويين في الاستعجالي وفي الموضوع، بالتنسيق مع وزير العدل الطيب لوح الذي يعد الجهة الوصية على القضاء؟ انطلاقا من مبدأ التضامن الحكومي والتنسيق في الأعمال بين الوزارات، أرجح أن يكون الوزير ڤرين قد أبلغ زميله في الحكومة الوزير لوح بالقضيتين. ولكن انشغالي فيما يخص هذه الجزئية، هو هل نبه وزير العدل زميله إلى ضرورة دراسة الأمر من كل جوانبه تفاديا للخروقات التي يمكن أن تظهر، وقد ظهرت فعلا وأثارت ردود فعل مستنكرة من رجالات القانون. أنت قاض ومارست هذه المهنة لسنوات طويلة وتعرف جهاز القضاء كيف يسير، هل تتصور أن قضاة محكمة بئر مراد رايس الإدارية، الذين يمسكون بهذا الملف، سيتعرضون لضغوط من وزارة العدل لإصدار قرار يخدم وزير الاتصال؟ مهما كان القرار الذي ستنطق به المحكمة الإدارية، فسيكون موشحا باسم الشعب الجزائري وليس باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، ولا وزير العدل ولا أي شخص آخر في هذه البلاد. وهذا يعني أن القضاة يستمدون سلطتهم من الدستور وتحديدا المادة 159 التي تقول: “يصدر القضاء أحكامه باسم الشعب”. والقضاة ملزمون، وهم يمارسون وظيفتهم، باحترام المادة 165 من الدستور التي تقول: “لا يخضع القاضي إلا للقانون”. تفسير هذه المادة هو أن القاضي ملزم بطاعة القانون وفرض احترامه على أي كان، حتى لو كان وزيرا بل الحكومة بكاملها. في ظل الاعتقاد السائد بأن القضاء غير مستقل، هل تتصور أن القضاة سيختفون وراء ذلك كمبرر للاستجابة للخروقات التي حملتهم الدعويين المرفوعتين من طرف وزير الاتصال؟ ينبغي أن نلغي من أذهاننا أن القاضي بإمكانه الدوس على القانون وعلى ضميره، بذريعة أن الجزائريين ينظرون للقضاء على أنه غير مستقل وخاضع لإملاءات السلطة. ينبغي التذكير بأن القاضي ينطق بالقسم عندما ينتسب لأول مرة لهذه المهنة. هذا القسم يفرض عليه أن يكون وفيا لمبادئ العدالة. لا يجوز للقاضي التغطية على الخروقات التي تتورط فيها الحكومة، ولا يجوز له التغاضي عن انتهاك حقوق الأشخاص، لأن مهمة القاضي، وفقا للدستور، تتمثل في حماية الحقوق والحريات، والقضاة في النهاية هم في خدمة القانون الذي يعد تعبيرا عن الإرادة العامة للأمة. إنهم يتقاضون رواتبهم من الخزينة العمومية، أي أموال المواطنين الذين يدفعون الضرائب وليس من جيوب المسؤولين مهما كانت مناصبهم. انطلاقا من هذا، لا يمكن استغلال نظرة المواطن للقضاء على أنه مستقل، ليتهرب القضاة من تحمل مسؤولياتهم. هل معركة افتكاك استقلال القضاء قضية تعني المحامين والقضاة فقط؟ يخطئ من يعتقد أن استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية يخص رجال القانون. فالقضية تعني المجتمع بكل مكوناته، لأن العدالة تصدر أحكامها باسم الشعب، ووظيفة القضاء الأساسية هي حماية المجتمع وصون الحريات، لذلك ينبغي على كل أطياف المجتمع المشاركة في الدفاع عن استقلالية القضاء، من أدباء وصحافيين وجامعيين وأحزاب ونقابات.