دعا صندوق النقد الدولي في تقريره السنوي الذي يندرج في إطار مشاورات الباب الرابع، الجزائر إلى تبني إصلاحات هيكلية فعلية عاجلة للحد من مضاعفات صدمة نفط عرت عيوب واختلالات بنية الاقتصاد الجزائري الذي يظل رهين النفقات العمومية وعائدات المحروقات، كما دعا ضمنيا إلى مراجعة سياسات الدعم وتخفيض قيمة الدينار كبدائل في السياسة النقدية والمالية وترشيد النفقات. أشار التقرير إلى أن “الأفق الاقتصادي تدهور منذ سنة 2014، تاريخ مباشرة المشاورات، وأنه بات من الملح إعادة بناء نمط ونموذج النمو الجزائري، فإذا كان أثر الصدمة النفطية على النمو محدودا إلى حد الآن، إلا أن ناتج الميزانية والمؤشرات الخارجية عرفت تدهورا محسوسا من جانبها”. ففي سنة 2015، بلغ نمو الناتج المحلي الخام الفعلي 3.9 في المائة، مقابل نسبة تضخم قدرت ب4.8 في المائة، بينما تضاعف عجز الميزانية ليصل مستوى 16 في المائة من الناتج، بسبب الانخفاض المحسوس لإيرادات المحروقات، وتراجع صادراتها بقرابة النصف، وهو ما نتج عنه عجز في الحساب الجاري، في وقت تآكلت احتياطات الصرف ب35 مليار دولار، وانخفضت إلى 143 مليار دولار مقابل 192 مليار دولار في 2013. وتبقى المديونية الخارجية، حسب هيئة “بروتون وودز”، أهم ميزة ونقطة قوة للاقتصاد الجزائري، كونها تبقى ضعيفة. وصفة “الأفامي” تخفيض للدينار ودعم نفقات أقل لتجاوز الإعصار خلصت المنظمة الدولية إلى أن الاقتصاد الجزائري يواجه صدمة خارجية حادة، وربما ستمتد على المدى الطويل، ما يستدعي ردا سياسيا حازما مبنيا على تطهير للميزانية وإصلاحات هيكلية، حيث إن انهيار أسعار المحروقات ساهم في إبراز نقاط الضعف والاختلالات القائمة منذ زمن طويل، في اقتصاد مسير من قبل الدولة ورهين بصورة كبيرة للمحروقات. ودعت المنظمة الجزائر إلى استغلال الفرص المتاحة لمباشرة إصلاحات هيكلية عاجلة لتنويع اقتصادها، واستغلال نسب الصرف النقدي والسياسات المالية كعامل دعم، في إشارة إلى تخفيض قيمة الدينار وسياسات الدعم، مشددة على ضرورة الارتكاز على مبدأ تحقيق الإجماع حول الإصلاحات الضرورية وتطبيقها في الوقت المناسب. وشدد الصندوق على ضرورة مراعاة مراقبة النفقات ومواصلة إصلاحات الدعم مع الحرص على حماية الفقراء، من خلال تجنيد أكبر للإيرادات خارج نطاق المحروقات ومضاعفة فعالية ونجاعة الاستثمارات وتدعيم إطار الموازنة. التوجه إلى الاستدانة الخارجية وفتح رأسمال مؤسسات عمومية ولاحظ الصندوق أن تراجع المدخرات الجزائرية يعني أنها ستضطر للجوء إلى الاقتراض والاستدانة بصورة متزايدة لتغطية وتمويل العجز القادم، فضلا عن زيادة حجم الديون الداخلية، ونصح السلطات بالتوجه للاقتراض من الخارج وفتح رأسمال عدد من المؤسسات العمومية بصورة شفافة للمساهمة الخاصة، مضيفا أن إصلاحات هيكلية واسعة باتت ضرورية لدعم النشاط الاقتصادي وتنويعه، ومن بين الإصلاحات المقترحة تحسين مناخ الأعمال وفتح الاقتصاد للتجارة والاستثمار وتسهيل الوصول إلى التمويل البنكي وتنمية أسواق رؤوس الأموال، إضافة إلى تدعيم سياسات الحكم الراشد والمنافسة والشفافية، وزيادة مستوى الليونة في سوق العمل بمراعاة الكفاءات التي تنتجها المنظومة التعليمية والتربوية وتطابقها مع مواصفات القطاع الخاص، معتبرا أن تقييد الواردات يمكن أن يعطي انطباعا بالراحة، لكنها لا يمكن إلا أن تكون ظرفية ومؤقتة ولا تعوض الإصلاحات ولا يمكن أن تحل محلها لتفعيل الصادرات، وما دامت الإصلاحات تتطلب وقتا لقطف ثمارها، فإنه ينبغي، حسب الصندوق، مباشرتها دون تأخير.