يشرح جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد الأسباب التي دفعته للانسحاب من تنسيقية الانتقال الديمقراطي، ويؤكد في هذا الحوار ل"الخبر" تمسكه بالبقاء في هيئة التشاور والمتابعة التي تضم طيفا معارضا أوسع من التنسيقية. ما هي أسباب انسحابكم من التنسيقية؟ جيل جديد اتخذ قراره بالانسحاب من تنسيقية الانتقال الديمقراطي منذ مدة من خلال مؤسساته، وفضل أن يتكتم على القرار ليكون أعضاء التنسيقية أول من يعلم به احتراما لهم، وتأكيدا لحرصه على الاحتفاظ بعلاقات شخصية طيبة مع الجميع. هذا القرار لم يكن ارتجاليا وجاء بعد قناعة تامة بأن البقاء في التنسيقية لم يعد له جدوى بالنسبة للحزب. منذ أشهر، كنت قد تكلمت مع الإخوة حول مصير التنسيقية، فحزبنا تقدم بالعديد من الاقتراحات التي يمكن من خلال بناء خطة جديدة لعملها ولم يلق التجاوب المطلوب، ثم لاحظنا أن بعض الأطراف داخل التنسيقية بدأت تتبنى خطابا جديدا باسم التنسيقية لم نكن متفقين عليه من قبل وليس بإمكاننا تحمل مسؤوليته. أعتقد أن المشكلة الأساسية في الجزائر هي كيفية بناء المستقبل، والكل ينتظر من المعارضة البديل. في التنسيقية مثلا لم نستطع الانتقال إلى هذه الخطوة بعد أن أسسنا لعدد من المطالب المشتركة، وبقينا في دائرة رد الفعل. نحن أخذنا على عاتقنا أن نوقف هذه التجربة لأنها قد تخلق مللا لدى المواطن وتثير ارتدادات سلبية على المعارضة دون أي أثر على الواقع. ما هي المطالب التي رفعتموها للتنسيقية ولم يتم التجاوب معها؟ جيل جديد كان قد طالب باتخاذ موقف موحد من الانتخابات التشريعية المقبلة مع إمكانية المقاطعة في حال لم تأخذ السلطة بعين الاعتبار دعوة التنسيقية لإنشاء لجنة مستقلة لتنظيم الانتخابات، ولكن باقي الأعضاء لم يتحمسوا للفكرة وجعلوها ضمن خيارات كل منهم الحرة. طالب حزبنا أيضا بإعداد برنامج موحد مستقبلي للتنسيقية لكن اصطدم بالرفض. أردنا أن تبلور التنسيقية مشروع دستور تقدم به للرأي العام الوطني نظرتها لتوازن السلطات وباقي الخطوط العريضة التي تحكم جزائر المستقبل، فرفضوا أيضا. دعونا الإخوة إلى أن الالتزام برفض أي تفاوض منفرد مع السلطة، فحدث العكس وكان المبرر دائما أن كل حزب حر في قراراته. صبرنا على هذا الوضع مدة طويلة ورأينا أنه من حقنا أيضا اليوم أن نكون أحرارا وفق الطريقة التي يرتاح لها ضميرنا. ألا تعتقد أن طلبكم ببلورة مشروع مجتمع داخل تنسيقية لم تخلق لهذا الهدف هو مطلب تعجيزي في النهاية؟ أنا واع بما تقول، فمشروع مجتمع يبدو صعب الإنجاز بين أحزاب متنافرة على مستوى الأيديولوجيا. لكن المشكلة أننا لما وصلنا إلى هذه الحدود، طلبت من ما هو السقف الذي يمكن أن نصل إليه. سألت إذا ممكنا بدلا عن مشروع مجتمع، أن نقدم برنامجا حكوميا موحدا فرفض طلبي رغم أنه معقول جدا. وصلت إذاك إل قناعة بأننا وصلنا إلى حدودنا القصوى في العمل المشترك. ما قمنا به داخل التنسيقية نحن متمسكون به ونعتبره إيجابيا جدا، لكن أصبح من المستحيل اليوم أن نتقدم أكثر لأن ذلك يعني الحديث عن مشروع مجتمع أو مواقف ملزمة بخصوص الانتخابات، بينما لا يمكن تجاوز هذه الحدود من الناحية الموضوعية. أنا لا ألوم زملائي داخل التنسيقية بهذا الكلام فلكل ربما ظروفه، لكننا من جانبنا لا نرى أي داع للاستمرار في ظل ما ذكرته سابقا، بل نعتقد أن الوقت حان لمرحلة أخرى يكون فيها كل حزب حرا، يقدم مشروع المجتمع الخاص به، وهذا ما يتطلب الحرية في ظل عدم إمكانية العمل الجماعي. ألا تخشون استغلال السلطة لانسحابكم من التنسيقية لإضعاف المعارضة وإظهارها منقسمة من جديد؟ قد يكون هذا واردا. لكننا قمنا بتقييم شامل لما سيترتب عليه موقفنا، ووجدنا حسنات الانسحاب أكثر من سلبياته. لا تزال هناك هيئة التشاور والمتابعة التي هي كيان أوسع من التنسيقية، سنبقى نناضل في إطارها لتكون قوة مضادة للسلطة. التنسيقية لم تكن سوى نواة أولى بادرت في مازافران بطرح أرضية الانتقال الديمقراطي، وفي رأيي بعد تجربة التنسيقية لا ينبغي أن تكون المعارضة محتكرة وينبغي أن تتوسع لتضم أكبر طيف ممكن. كنت قد أبديت اعتراضك على فكرة حكومة الوحدة الوطنية التي تطرحها حركة مجتمع السلم. هل هذه المسألة كانت أيضا وراء انسحابك؟ نحن مختلفون تماما مع هذه الفكرة. السيد عبد الرزاق مقري يقول إن الحكومة الائتلافية ممكنة بعد التشريعيات. والمشكل هنا: هل هناك ضمانات جادة تجعلنا نشارك في التشريعيات؟ هو يقول بها الكلام، بطريقة غير مباشرة، إننا راضون بنتائج التشريعيات مهما كانت، بينما كل المؤشرات تدل على أن الطريق لا يزال طويلا للوصول إلى انتخابات نزيهة، خاصة بعد أن أخذ مجلس الوزراء قرارا خطيرا جدا ضد التعددية بإقصاء الأحزاب التي لم تحصل على نسبة 5 بالمائة في الانتخابات السابقة من المشاركة، وبذلك ستكون حتى حمس مقصاة من المشاركة. لكن التنسيقية تطرح انتقالا ديمقراطيا متفاوضا عليه بين السلطة والمعارضة، فالمانع أن يكون ذلك في إطار حكومة وحدة وطنية؟ التنسيقية طرحت مرحلة انتقالية تجسدها حكومة مفتوحة، قد تشارك فيها المعارضة ولكن على أساس برنامج انتقالي. لكن القبول بحكومة وحدة وطنية بعد التشريعيات وفي ظل رئاسة بوتفليقة هو مناف لكل المطالب التي سبق ورفعناها. نحن كانت فلسفتنا من الأول أن نساعد السلطة على الذهاب، لكن بهذا الخطاب المكرر عن حكومة ائتلافية، سنعمل على مساعدتها على البقاء. واليوم لما أصبح اقتراح الحكومة الائتلافية مطروحا على مستوى المعارضة، يحق لنا أن نعتبر ذلك خارج قناعاتنا تماما.