نعلم أنّ تعميم الحكم بعد التجربة والملاحظة والتكرار هو سبيل صوغ القواعد والقوانين العلمية، فهو مهم لصياغة العلوم وضبطها وتطويرها، بيد أنّ تعميم الأحكام قد يكون عين الجهل وعين الظلم وعين الخطأ، خاصة ما تعلّق بالحكم على الناس وبقضاياهم الاجتماعية والتاريخية والحياتية عامة. والقرآن العظيم، وهو يعلم المسلم التفكير المتوازن والإنصاف، ينبّهه إلى خطورة التّعميم في مناسبات عدة، فمثلا عند حديثه عن بني إسرائيل رغم شناعة وفظاعة المخالفات التي قاموا بها نجد الله عزّ وجلّ يقول: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ}، فاستثنى القليل منهم حتى لا يعمهم في الحكم. قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله “إنصاف لهم في توبيخهم ومذمتهم، وإعلان بفضل من حافظ على العهد”. ويقول سبحانه عنهم أيضا {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، والإنصاف بعد التعميم واضح في هذه الآية. وكذلك في الآيتين التاليتين: {لَيْسُواْ سَوَآءً مِّنْ أَهْلِ الكتاب أُمَّةٌ قَآئِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ الله آنَآءَ الليل وَهُمْ يَسْجُدُونَ}، {وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لَا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}، قال الشيخ ابن عاشور رحمه الله “ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار إنصافا لحق هذا الفريق، لأن الإنصاف مما اشتهر به الإسلام”.