البحث عن "ذباح" داخل مذبح "رويسو" في الجزائر العاصمة، صبيحة عيد الأضحى، لنحر الأضحية وسلخها وتقطيعها، أمر أشبه بالمستحيل، فقائمة المواعيد تمتلئ قبل أسبوع عن موعد النحر، والذباحون يتحوّلون في ذلك اليوم إلى عملة "نادرة"؛ أو بالأحرى نجوم يستعص حتى الاتصال بهم، خاصة وأن صبيحة العيد لهذا الموسم ستتقلص لتزامنها مع موعد صلاة الجمعة. يفضل الكثير من الجزائريين نحر أضحيتهم داخل المذابح نظرا لتوفر جميع الشروط، بدءا من الذباحين المحترفين وتوفر المعدات التي تساعد على عملية السلخ، وصولا إلى البياطرة الذين يرافقون الذباحين في مهمتهم داخل المذبح، مقابل دفع مبلغ 5 آلاف دينار جزائري (2.5 ألف تكلفة النحر والسلخ، و2.5 ألف أخرى للتقطيع). أما فيما يخص نحر العجول والأبقار، فتقدر التكلفة ب5 آلاف للذبح، و5 آلاف أخرى للتقطيع.
مواعد تضبط مسبقا وقوائم ممتلئة عن آخرها
زارت "الخبر" مذبح رويسو، وهناك اقتربنا من الذباح نور الدين ميلاط، وهو شاب ورث الحرفة رفقة أشقائه عن والدهم الراحل الذي هو بدوره ورثها أبا عن جد. كانت آثار الجروح والكدمات القديمة بادية على يداي محدثنا الذي استرسل يقول: "عدد الأغنام التي أذبحها، صبيحة يوم العيد، أنا وشقيقي وذباح آخر، تفوق أحيانا 50 أضحية"، قبل أن يتابع "تخيل أن كل خروف تستغرق عملية نحره وسلخه 20 إلى 30 دقيقة... في بعض الأحيان، أنهمك مع الخرفان ولا أرفع رأسي حتى أنتهي من سلخهم جميعا في حدود الساعة الثانية زوالا".
أما عن كيفية ضبط المواعيد، فرد محدثنا: "أغلب الزبائن يشترون خرفانهم من عندنا ويتركونها هنا حتى صبيحة العيد. أما البقية، فبعضهم يتصل بي عبر الهاتف، وآخرون هم زبائن دائمون اعتادوا على نحر أضاحيهم عندي".
يقول مدير المذبح في دردشة قصيرة جمعتنا به داخل الإسطبل، وهو منهمك رفقة فريق من العمال، بجر جثة عجل ضخم (يزن 5 قناطير) نفق، وكانا بصدد نقله خارجا، بأن "الكثير من الزبائن يقصدون المذبح صبيحة عيد الأضحى من أجل التأكد من صحة لحم خروفهم، خاصة مع فساد الكثير من اللحوم خلال الموسم الماضي، فالمذبح تجد فيه البياطرة وتتوفر فيه المعدات اللازمة لتسهيل العملية"، قبل أن يتابع: "منذ 10 سنوات لم أشارك أفراد عائلتي فرحة عيد الأضحى، لا أنا ولا الذباحين ولا البياطرة".
الأولوية للنساء
وإذا كان البعض يختار اللجوء إلى "الباطوار" للأسباب التي ذكرناها، فإن بعض النسوة اللواتي يفتقدن لرب أسرة يتكفل بالعملية، يجدن أنفسهم مرغمات على التوجه إلى المذبح. ويقول أحد حراس المذبح إن "الكثير من النساء اللواتي يفتقدن لرجل في البيت، يتكفل بعملية نحر أضحية العيد، يفضلن اقتناء الأضاحي من المذبح وتتركنه هناك ولا تأتين إلا في صبيحة العيد ليأخذن خرفانهن مذبوحة ومقطعة".
وكشف أغلب من تحدث "الخبر" معهم داخل مذبح رويسو، بأن يوم العيد لهذا الموسم سيكون مختلفا عن باقي أعياد المواسم الماضية، بحكم أنه تصادف مع يوم الجمعة، وبالتالي ستتقلص قائمة الزبائن، مثلما هو الحال بالنسبة ل "فاروق.م"، وهو جزار يشتغل داخل المذبح، فقد كشف عن أن "قائمة الزبائن امتلأت قبل 5 أيام عن يوم العيد، لا تنسى أن صلاة الجمعة تقام مع الظهر، وبالتالي يستحيل علينا ذبح عدد كبير من الأضاحي"، وأضاف: "لكن هناك بعض الذباحين الذين يستأنفون العمل في الفترة المسائية بعض صلاة الجمعة".
زوجات يرفضن ذبح الكبش في البيوت
ضيق البيت وعدم توفر ساحات وأماكن تصلح لذبح الكبش وقلة المياه، وجهل البعض الآخر للطريقة الصحيحة لذبح الأضحية... كلها أسباب دفعت بالمواطنين إلى اللجوء إلى "الباطوار"، لكن هناك أسبابا أخرى، وفق ما صرح به الذباح فاروق، وهي ضغط الزوجة على الرجل للجوء إلى المذبح كي لا يكلفن أنفسهن مشقة تنظيف مخلفات الذبح وغسل أحشاء الخروف... "وهم كثيرون"، يضيف محدثتنا.
كل هذه الأسباب وأخرى،أجبرت بعض الجزائريين على نحر أضاحيهم في المذبح، رغم الضغط وطوابير الانتظار التي تستمر في بعض الأحيان حتى المساء. مثلما هو الحال بالنسبة للسيد إسماعيل، وهو رب أسرة يشتغل موظفا إداريا بإحدى الشركات العمومية بالعاصمة، الذي لم يخف عنا بأنه يفضل اللجوء إلى المذبح، على أن يدخل في خلافات مع زوجته قد تفسد فرحة العيد، وأردف قائلا: "حتى الأحشاء لا أكلف نفسي بتنظيفها، فهناك شباب يغتنمون فرصة العيد لعرض خدماتهم كتنظيف الأحشاء وتحضير "البوزلوف"، مقابل مبالغ تتراوح بين 500 و700 دينارا".