تستمر الحملة العسكرية الواسعة التي تشنها حكومة ميانمار، في عدد من قرى وبلدات أقلية الروهينغا المسلمة، حاصدة العديد من القتلى والجرحى، ومثيرة المزيد من الانتقادات الدولية، ولو كانت محتشمة إلى حد الساعة، إلا أن الأطراف الدولية الفاعلة تلتزم الصمت والتجاهل بشأن مأساة إنسانية. أعلنت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أمس، ارتفاع عدد اللاجئين الروهينغا الفارّين من إقليم "أراكان"، إلى بنغلاديش إلى 73 ألف شخص، منذ 25 أوت الماضي، وأفادت شهادات مقدمة من قبل ناجين، لوكالات الأنباء، بأن قوات ميانمار اقترفت خلال أسبوع أمورا فظيعة، شملت القتل والاغتصاب ضد مسلمي الروهينغا في إقليم أراكان، شمال غربي البلاد، ودفعت التقارير عن الانتهاكات الخطيرة الأممالمتحدة لإبداء قلقها على المدنيين هناك.
مأساة الروهينغا ليست جديدة، بل هي واحدة من أقدم القضايا الإثنية العالقة، وتقول منظمات حقوقية إن العنف الممارس بحق أقلية الروهينغا جزء من هجوم ممنهج ضدهم، بسبب انتمائهم العرقي والديني، وإن ما يرتكب بحقهم هو جرائم ضد الإنسانية، ويشير خبراء قانونيون إلى أن بعض الدول ربما ليست راغبة في التحرك، لأن من شأن ذلك أن يجبرها لاحقاً على توطينهم فيها، فيما يرفض المسؤولون في ميانمار أن يتهم الجيش بالقتل والتشريد والاغتصاب، ويؤكدون أن ما يجري جزء من عملية قانونية ضد مجموعة من المتمردين المسلحين من الروهينغا.
ولم يخجل رئيس الوزراء الميانماري، عندما أكد مؤخرا أن الحل هو في إيواء الروهينغا في مخيمات للاجئين أو طردهم من البلاد، وهنا تطرح أسئلة عدة حول أسباب تتّبع حكومة ميانمار هذه السياسة بحق الروهينغا، ولماذا تحرمهم من أبسط حقوقهم ولا تعترف بهم كمواطنين أصلاً، ولماذا تمنع الصحافيين والمراقبين الدوليين من إجراء تحقيقات داخل إقليم أراكان، ثم أين المجتمع الدولي مما يجري، وأين المنظمات الحقوقية، فضلا عن موقع الدول العربية والإسلامية، التي لم تحرك ساكنا، بما في ذلك الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي؟
وكان المجلس الأوروبي للروهينغا، وهو هيئة ممثلة للروهينغا في أوروبا، قد تحدث قبل أيام، عن سقوط ما بين ألفين وثلاثة آلاف قتيل من الروهينغا، خلال ثلاثة أيام فقط، وتتواتر شهادات عن ممارسات مروعة لقوات ميانمار ضد المسلمين في أراكان.
وكانت الحملة السابقة التي شنتها قوات ميانمار ضد الروهينغا، في أكتوبر الماضي، شهدت أعمال قتل واغتصاب وحرق للقرى، وفق شهادات وثقتها تقارير دولية، وخلفت الحملة مئات القتلى، وتسببت في تهجير نحو تسعين ألفا إلى بنغلاديش، ويشير الخبراء إلى التراكمات التاريخية في مسألة الروهينغا، الذين يعتبرون أقلية عرقية مسلمة، في دولة ميانمار ذات الأغلبية البوذية، ويرفض غالبية أعدائهم الاعتراف بهذا الأمر، أي بكونهم يشكلون أقلية عرقية مميزة داخل ميانمار، ويؤكدون أنهم ينحدرون من أصل بنغالي، ووجودهم داخل ميانمار ما هو إلا نتاج لحركة الهجرة غير الشرعية.
أما الروهينغا أنفسهم فيؤكدون أنهم من سكان ما قبل الاستعمار، في ولاية أراكان بميانمار، فالنظام في بورما عسكري مغلق يحظى بدعم قوى في منطقة لا تمثل رهانا كبيرا على خلاف مناطق أخرى، ما أدى إلى عدم إثارة اهتمام الأطراف النافذة والمؤثرة في نسق العلاقات الدولية.
قانون المواطنة يشرعن التمييز ضد الروهينغا
وتعود جذور الاضطرابات الحالية إلى الماضي الاستعماري للبلاد، ففي 1826، ضمت بريطانيا الجزء الشمالي الغربي الحالي من البلاد، إضافة إلى الإقليم الذي يسكنه حاليًا من تبقى من مسلمي الروهينغا في ميانمار.
وبسبب قوانين الهجرة المتساهلة التي وضعتها الحكومة الاستعمارية البريطانية آنذاك، تدفق المسلمون البنغال إلى الإقليم، وعيّنت بريطانيا الأثرياء من جنوبالهند كمديرين ومشرفين على الإقليم الاستعماري الجديد، ليحلوا بذلك محل الفلاحين البوذيين ذوي الأصل البورمي.
ولا تزال آثار تلك السياسات البريطانية تمثل إرثًا ممتدًا، حيث وقع الروهينغا ضحايا للتمييز العنصري والعنف الذي مارسه ضدهم كل من أعداء المسلمين الراخين، وهم مجموعة عرقية بوذية، وموظفو الحكومة المركزية، وواحدة من نقاط الاتفاق القليلة بين جماعة الراخين وبين الأغلبية العرقية البورمية هي كراهيتهم المشتركة للبنغال، وهي تسمية يطلقها كلاهما على الروهينغا بقصد الازدراء والإهانة.
أضف إلى ذلك انتفاضة الروهينغا المطالبة بالانفصال بين عامي 1948 و1961 والتي باءت بالفشل، والمخاوف الدائمة من الزحف والتعدّي الإسلامي على البوذيين، إلى جانب قانون المواطنة الصادر عام 1982، والذي يضفي الشرعية أساسًا على التمييز ضد الروهينغا.