لا يختلف اثنان على أن قطاع الصيد البحري في الجزائر، يشهد العديد من الاختلالات والتجاوزات التي أنتجت فوضى عارمة في القطاع، جعلته من بين القطاعات التي يجب إعادة الاعتبار إليها، خاصة في ظل عودة القطاع إلى الوراء، على الأقل مقارنة بالدول الشقيقة والمجاورة، على غرار تونس والمغرب، دون الحديث عن الدول المتقدمة التي تقتسم المياه الإقليمية في البحر الأبيض المتوسط، ما جعل السمك في بلادنا أكلة الأغنياء و"المرفهين"، بعد أن كان في السابق غذاء محدودي الدخل والبسطاء و"الزواولة". كل المؤشرات توحي بحالة الفوضى العارمة التي يعرفها قطاع الصيد البحري في الجزائر، فإلى جانب وجود الصيد الجائر وغير القانوني من طرف بعض الصيادين الراغبين في تحقيق الربح السريع، ولو حتى على حساب القوانين التي تنظم القطاع، وصحة المستهلكين، دخل على الخط مهربو المرجان الذي تسبب منذ سنة 2000 وإلى يومنا هذا، في تهريب أزيد من 100 طن من ثروة المرجان التي تشتهر بها سواحل الجزائر، إضافة إلى ضياع مئات الملايين من الدولارات خلال هذه الفترة، دون أن ننسى البيع غير الشرعي والبيع في ظروف غير صحية على مستوى ال33 ميناء عبر 14 ولاية ساحلية في الجزائر.
تلوث، بيع عشوائي وصحة المستهلك في خطر
يقول نائب رئيس الجمعية الوطنية للصيد البحري، بن عالية لخضر، في زيارة إلى "الخبر": "إنهم يعملون في ظروف جد صعبة وغير ملائمة كليا، انطلاقا من بعض الصيادين الذين قرروا تحقيق الربح السريع، باتحادهم مع أصحاب "الشكارة" الذين أحكموا قبضتهم على شعبة الصيد البحري، بالتحايل على الهيئات الوصية على مراقبة السوق، وإدخال أطنان من السردين الممنوعة من البيع، التي يبلغ طولها ال4 و5 سنتيمترات فقط، رغم أن القانون يمنع ذلك، بالمرسوم التنفيذي الصادر بتاريخ 24 مارس 2004، الذي يحدد طولها ب11 سنتيمترا على الأقل، وذلك أمام أنظار مراكز ونقاط المراقبة على مستوى 33 ميناء في الجزائر". وهنا يأتي دور "السماسرة"، يضيف المتحدث، الذي اتهم هؤلاء بإلهاب أسعار السمك والسردين، خاصة في السنوات الأخيرة بعد أن كانت أسعارها في متناول جميع المواطنين، وذلك عبر اقتناء كميات معتبرة من السردين من هؤلاء الصيادين، ومن ثم إعادة بيعها من جديد بالتجزئة، لبعض "البلطجية وذوي سوابق عدلية ومدمني مخدرات" بمبالغ مرتفعة، في ظروف أقل ما يقال عنها إنها غير صحية، وتضر بصحة المستهلك، وتعرض حياته لخطر الإصابة بالتسممات الغذائية، نظرا لاختيار مواقع ونقاط بيع خارج المسمكات أو قريبة منها، وتحت أشعة الشمس الحارقة ووسط الغبار، في غياب تام لمصالح المراقبة. إلى جانب ذلك، ذكر المتحدث غياب الأمن في المسمكات، ما أدى إلى بروز البائعين العشوائيين وفي ظروف متعفنة، غير آبهين بالمخاطر الصحية على المستهلكين، إضافة إلى الاعتداءات على قاصدي المسمكة من بائعي التجزئة، لاقتناء كميات من السمك وبيعها في نقاط بيعهم، وسلبهم مبالغ كبيرة بالملايين، في العديد من المرات.
صيد جائر وخارج الأوقات وفي الأماكن "المحرمة"
يلجأ بعض محترفي الصيد البحري، حسب محدثنا، إلى الصيد الجائر وغير القانوني، وحتى خارج أوقات الصيد الشرعي والقانوني، وفي أوقات وضع الأسماك لبيضها، إلى جانب بعض المتطفلين على القطاع المعروفين باستعمال "الديناميت" الذي أضر ويضر بالثروة السمكية في الجزائر، على مستوى ال33 ميناء ب14 ولاية ساحلية، وليس على مستوى مسمكة وميناء العاصمة فقط، بحجة توفير المنتوج فقط، وهو ما يهدد الثروة السمكية، والسردين خصوصا، بالمياه الإقليمية الجزائرية بالنفاد والهروب إلى وجهات أخرى، كما أنه يعد جريمة شنعاء في حق الثروة السمكية، كان نبّه إليها المهنيون. وأكد بن عالية أن هؤلاء يستغلون غياب الرقابة، للوصول إلى النقاط المحرم الصيد فيها، في الساعات الأولى من الصباح واستعمال طرق غير شرعية ولا قانونية وبكافة الوسائل الممنوعة، لصيد السردين القصير الذي يصل طوله إلى 5 سنتيمترات، مضيفا أن أصحاب "الشكارة" و"مافيا" السمك الخارجين عن القانون، حسب وصفه، ساعدوا هؤلاء على التغول وفرض قانونهم الخاص، ضاربين عرض الحائط كل القوانين التي تنظم المهنة، ما خلق فوضى كبيرة في القطاع.
تواطؤ في غياب آليات ومصالح الرقابة
من جانبه، أرجع رئيس الجمعية الوطنية للصيد البحري، حسين بلوط، كل هذه الفوضى وخرق القوانين المنظمة للمهنة، إلى غياب آليات الرقابة ومصالح المراقبة وتواطؤ بعض الجهات مع "مافيا السمك"، خاصة منها نقاط التفتيش والمراقبة والمصالح البيطرية التي تقدم لكل من هب ودب، شهادات لتوجيه السمك إلى البيع، دون مراعاة صحة وسلامة المواطنين والقوانين المنظمة للمهنة، بالسماح لهم بإدخال أطنان من السردين الصغير، إلى جانب استعمال الشباك المحرمة وعدم احترام الراحة البيولوجية للسمك. وأوضح المتحدث أنه رغم أن خفر السواحل تدخلوا في العديد من المرات لتحويل "مافيا السمك"، خاصة بميناء العاصمة، على العدالة التي فرضت عقوبات على هؤلاء، إلا أنهم يعودون إلى التحايل في كل مرة، باستعمال المتفجرات في عمليات الصيد وإدخال أطنان من السردين، ما يعني وجود أطراف متواطئة معهم، تساعدهم على توزيع تلك الكميات الكبيرة في السوق.
أطنان من المرجان هربت ومليارات الدولارات تضيع من الخزينة
وكشف حسين بلوط، أن القناطير من المرجان تم تهريبها أيضا منذ سنة 2000، تاريخ تجميد ومنع صيد المرجان، إلى دول أوروبية، وحتى أمريكا، بعيدا عن أعين الرقابة، بحكم أن المرجان المتواجد في مياهنا الإقليمية والبحر المتوسط، يعد من أجود أنواع المرجان في العالم، حيث ظهر بارونات تهريب هذه الثروة. وأضاف المتحدث أنه في سنة 2000، قررت الدولة استدعاء خبراء أجانب لكشف المواقع والأماكن التي يكثر فيها المرجان في بلادنا، لافتا إلى أن الوزارة الوصية تحصلت على تقارير جد مغلوطة حول هذا الملف، ما استدعى تدخل أعضاء اللجنة لإخطار الوزارة الوصية والحكومة، بالتلاعب الذي حصل في الملف، ومنع نهب وتهريب المزيد من الكميات من المرجان إلى الخارج. في حين، أكد بن عالية لخضر، أن سعر الكيلوغرام الواحد من المرجان الجزائري الذي يهرب إلى الخارج، يتجاوز ال70 مليون سنتيم؛ أي ما يعادل 3 آلاف أورو، هذا الأمر ساهم، يضيف، في تحقيق هؤلاء لأرباح بملايين الدولارات على حساب الخزينة العمومية، التي تضيع وتذهب إلى غير مستحقيها، كما ساهم في إحكام هؤلاء قبضتهم على سوق السمك في الجزائر والدوس على القانون، كون القانون لا يطبق عليهم.