بلغت عملية قطف الرؤوس حدا غير مسبوق في جبهة القوى الاشتراكية منذ المؤتمر الاستثنائي الأخير الذي حمل قيادة جديدة إلى سدة الحزب. ويطال الفصل أسماء بارزة من قيادات ومنتخبين في مختلف المجالس، ما يضع علامات استفهام كبرى حول مستقبل هذا الحزب الأقدم في تاريخ المعارضة الجزائرية. يصفي الأفافاس قياداته ومنتخبيه بشكل مثير للدهشة في الفترة الأخيرة، فقد طال حبل المشنقة السياسية الكثير من الأسماء لمجرد ارتكابهم مخالفات تنظيمية أُحيلوا على أساسها فورا على اللجنة التأديبية للحزب لاتخاذ قرار الفصل مباشرة في حقهم. وتنطوي هذه الإقصاءات في الواقع على خلفيات سياسية، إذ يُحسب جل المطرودين من الحزب على الجناح المضاد للقيادة الحالية التي يتزعمها منسق الهيئة الرئاسية والرجل القوي في الحزب، حاليا، علي العسكري. وقد تحول "العسكري" من مجرد اسم لمتزعم الحزب حاليا إلى ممارسة فعلية في الأفافاس، فالطريقة التي يتم بها الإقصاء تشبه إلى حد كبير طريقة المحاكم الثورية في النظم العسكرية التي تنتهي غالبا بإعدام المحالين عليها. ورغم أن عمليات الإعدام التي يشهدها الأفافاس حاليا "سياسية" إلا أن أضرارها بالغة على الحزب الذي بات يفقد كل يوم قياديين ومنتخبين له في المجالس الولائية والبلدية، كما هو حال المجلس الولائي للجزائر العاصمة الذي نزل فيه عدد منتخبي الأفافاس في المناصب التنفيذية إلى النصف (من 4 إلى 2). وحسب المعلومات الأخيرة، فقد تم إقصاء حكيم كريدي، نائب رئيس المجلس الشعبي الولائي للعاصمة، وهو من أكثر الوجوه خدمة للحزب في السنوات الأخيرة. كما تم فصل صورية لوز، وهي كذلك منتخب ونائب رئيس بالمجلس الشعبي الولائي للعاصمة. وقد تمت تنحية هذين الاسمين لأسباب تتعلق بعدم الامتثال لقرارات الحزب. كما تعرض عبد الرزاق زموري، وهو منتخب في المجلس الشعبي البلدي لبئر مراد رايس في العاصمة، لقرار التوقيف لمدة سنة من الحزب. وقد شغل زموري منصب مدير الحملة الانتخابية للأفافاس في الانتخابات المحلية الأخيرة. وتوصف الشخصيات الأخيرة التي تم إقصاؤها بأنها كانت وراء الفوز الذي حققته قوائم الحزب، سواء في التشريعيات أو المحليات بالعاصمة. وتضاف هذه الأسماء إلى قائمة المقصين من الحزب خلال الفترة الأخيرة، وفي مقدمتهم النائب في المجلس الشعبي الوطني، سليمة غزالي، التي راحت ضحية مقال لها موجه للفريق أحمد ڤايد صالح، يخوض في إشكالية علاقة السياسي بالعسكري في النظام الجزائري. ورغم أن غزالي كانت المستشارة الخاصة لمؤسس الحزب حسين آيت أحمد لمدة سنوات وحظيت بمساندة لافتة من نجل الراحل يوغرطة، إلا أن ذلك لم يشفع لها في الإقصاء. وتبع ذلك، فصل مسؤول الإعلام السابق في الحزب، حسان فرلي، بسبب مواقفه التي اعتبرت مناوئة للقيادة الحالية. واستمر حبل الإقصاء ليطال مرة أخرى، شافع بوعيش، رئيس الكتلة البرلمانية السابق للحزب، الذي أحيل على لجنة الوساطة (لجنة الانضباط) بمبرر عدم دفعه الاشتراكات المالية، وهي التهمة التي نفاها، مؤخرا، في بيان له نشره على حسابه على فيسبوك. حاج جيلاني في قفص الاتهام ويتهم حسان فرلي، مسؤول الإعلام السابق والمقصى هو الآخر من الحزب، القيادة الحالية للحزب بخوض حرب ضد كل من يخالف توجهاتها عبر إقصائهم من الحزب. وقال، في تصريح ل"الخبر"، إن ما يحدث في الحزب حاليا يعد سابقة، إذ لم يجر فصل المنتخبين والقياديين بهذه الوتيرة من قبل. وكشف فرلي عن معلومات لديه تفيد بأن الأمين الأول الحالي للحزب، محمد حاج جيلاني، راسل رئيس المجلس الشعبي الولائي للعاصمة، كريم بنور، ليطلب منه تغيير منتخبي الأفافاس في الهيئة التنفيذية للمجلس الشعبي الولائي واستبدالهم بأسماء أخرى (يضم الحزب 10 منتخبين في المجلس). وحسب فرلي، فإن المراسلة أثارت استغراب أعضاء المجلس الشعبي الولائي للعاصمة، الذين لم يستوعبوا كيف أن مسؤول حزب يتدخل في أمر تعيين مسؤولي هيئة محلية، وقابلوا طلب حاج جيلاني بالرفض. وفي اعتقاده، فإن هذا السبب هو الذي كان وراء إقصاء كل من حكيم كريدي وصورية لوز انتقاما منهما بعدما لم تتمكن القيادة الحالية من إبعادهما من منصبيهما التنفيذيين بالمجلس الشعبي الولائي بالعاصمة". وحاولت "الخبر" الاتصال بمحمد حاج جيلاني للتأكد من وجود هذه المراسلة، إلا أنها لم تتمكن من ذلك.
تصفية الديوان الأسود! وتشير معلومات من داخل بيت الأفافاس إلى أن العديد من الأسماء مرشحة للإحالة على لجنة الوساطة تمهيدا لإقصائها من الحزب. ويعاب على كثير من المنتخبين عدم التزامهم بتعليمات الحزب في انتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة، فقد ضبط البعض وهم يشاركون في الانتخابات التمهيدية التي أجراها حزبا جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لتعيين مرشحيهما في الولايات، وهو ما أثار حفيظة القيادة الحالية. ويدافع مسؤولون في الحزب حاليا عن قرارات الإقصاء بالقول إنها ضرورية لإعادة فرض الانضباط داخله، إذ من غير المعقول، حسبهم، عدم الاحتكام إلى مؤسسات الحزب ومسؤوليه والقيام بتصرفات أو تصريحات للصحافة خارج القنوات الرسمية للحزب. وتحاول الهيئة الرئاسة الجديدة، وفق قراءات مقربين من أعضائها، إثبات أنها هي المتحكمة في الحزب حاليا، بتصفية كل الجيوب التي كانت محسوبة على ما يسمى ب"الديوان الأسود"، وهم مجموعة من الأشخاص مقربون من عائلة آيت أحمد، كانوا يتحكمون في الحزب عن بعد ويعتبرون أنفسهم فوق مؤسساته. ويبدو واضحا، من خلال التصفيات الأخيرة، وجود نية لدى القيادة الحالية في إبعاد كل الأسماء التي يمكن أن تعود من بوابة المؤتمر القادم للحزب الذي يفترض أن ينظم في السنة الجارية، ما يعني فسح المجال تماما أمام سيطرة الجناح الذي يقوده علي العسكري ومحند أمقران شريفي وإبعاد كل المحسوبين على جناح العائلة التي أصبحت تتبرأ علنا من القيادة الحالية وتعتبرها لا تمثل إطلاقا خط حسين آيت أحمد. وفي وقت يبلغ التطاحن الداخلي أوجه في الحزب، يعاني الأفافاس من غياب صوته السياسي بشكل واضح في العديد من الأحداث التي تسبق الموعد الرئاسي.