يكشف تضارب التصريحات المتوالية للمسؤولين عن الجهاز التنفيذي خلال السنوات الماضية، بخصوص تطور ناتج احتياطي الصرف والفارق المسجل بين توقعات الحكومة في قوانين المالية ثم البيانات الصادرة عن بنك الجزائر والهيئات الحكومية، عن الفشل في توقع الانهيار المتسارع لاحتياطي الصرف الجزائري الذي فقد أكثر من 93 مليار دولار ما بين نهاية 2014 ونهاية 2018، حسب تقديرات السلطات العمومية. وتظهر توقعات الحكومة الفوارق المسجلة بين النظري والواقع وغياب القدرة على الضبط وخاصة في ظل غياب أجهزة التخطيط والاستشراف. ففي سبتمبر 2016 مثلا، توقعت الحكومة أن يسجل احتياطي الصرف الجزائري تراجعا خلال السنوات الثلاث التالية ليستقر في مستوى 110.1 مليار دولار في 2019، مقابل 107.9 مليار دولار في 2018، في مسار تنازلي مستمر منذ سنة 2014 التي كانت البداية لتقهقر أسعار المحروقات في الأسواق الدولية المتسبب في انخفاض محسوس في مداخيل الدولة ومدخراتها. بالمقابل، توقعت الحكومة في سبتمبر 2017، على خلفية قانون المالية التكميلي 2018، تراجعا للاحتياطي مع ترقب بلوغ ناتج الاحتياطي 85.2 مليار دولار في 2018 ثم 79.7 مليار دولار في 2019 و76.2 مليار دولار في 2020. وظلت الأرقام المتوقعة من الحكومة بعيدة عن الحصيلة النهائية بفوارق معتبرة، وهو ما كشفته آخر تصريحات الوزير الأول أويحيى بأن الاحتياطي بلغ مستوى 79.8 مليار دولار، بمعنى أن نهاية السنة سيشهد انخفاضا أكبر من توقعات الحكومة. وقامت الحكومة مجددا بمراجعة توقعاتها بشأن تطور احتياطي الصرف، حيث قدرت في قانون المالية 2019 قيمة احتياطي الصرف ب62 مليار دولار في نهاية 2019، ما يكفي لتغطية فاتورة الاستيراد لمدة 13 شهرا، في الوقت الذي تتوقع نزوله سنة 2020 إلى 47,8 مليار دولار ليغطي 10 أشهر، ليواصل احتياطي الصرف تراجعه إلى حدود 33,8 مليار دولار سنة 2021، وهو ما يغطي 8 أشهر من الاستيراد. وقد اضطرت الحكومة، على لسان وزير المالية عبد الرحمان راوية أمام نواب البرلمان، للكشف عن حقائق اقتصادية مرة تنتظر الجزائريين السنوات المقبلة، بإعلانه عن نفاد وشيك لاحتياطيات الصرف في غضون 2022، ما يعني العجز مستقبلا عن ضمان تغطية احتياجات الجزائريين بسد فاتورة واردات فشلت السياسات الاقتصادية المتعاقبة في إيقاف زحفها فوق عتبة ال40 مليار دولار، حيث يتوقع أن تصل 44 مليار دولار في 2019، بعد أن قاربت المستوى نفسه العام 2018. وفي ظل غياب هيئات التخطيط وكذا مراكز الاستشراف، تواجه الحكومة نقصا في الرؤية الاقتصادية وتخبطا مع ربط توقعاتها وسياساتها الاقتصادية بالريع النفطي وتقلبات أسعاره، كما تترقب سنة صعبة وسنوات شكوك تليها على خلفية منحى أسعار نفط متقلب ومداخيل محدودة، رغم أن متوسط سعر النفط الجزائري بلغ سنة 2018 ما معدله 71.44 دولارا للبرميل. وتتقاطع المعطيات وعمليات الإسقاط التي يعتمدها خبراء الإحصاء والاقتصاد لترقب سنوات عجاف ابتداء من سنة 2022، بعد نفاد احتياطيات الصرف التي ستنزل إلى أقل من 30 مليار دولار.