لم يكن الوزير الأول المستقيل، أحمد أويحيى، يعلم أن القرارات التي وقّعها في آخر اجتماع له على رأس مجلس مساهمات الدولة، ستتحول إلى مادة دسمة للتحقيقات الجارية في قضية كونيناف بخصوص الامتيازات البنكية والإعفاءات التي استفادت منها هذه العائلة الثرية طيلة حكم الرئيس المستقيل، عبد العزيز بوتفليقة، بحكم القرابة المتينة التي كانت تجمعها بعائلة الرئيس وشقيقه. قبل شهر من انطلاق الحراك الشعبي، وقّع الوزير الأول السابق المستقيل، أحمد أويحيى، على واحد من أهم القرارات، التي جاءت بمقتضى اجتماع المجلس الوطني للاستثمار المنعقد شهر جانفي من سنة 2019، الذي خصص لدراسة إعادة تقييم أهم وأكبر مشروع لعائلة كونيناف في منطقة جيجل وهو مصنع تكسير بذور الزيوت الذي قاربت قيمته 40 مليار دينار، فيما تتجاوز القيمة الحقيقية للمصنع ما قيمته 60 مليار دينار. ووافق الوزير الأول السابق، حسب ما علمته "الخبر"، من مصادر عليمة، خلال اجتماع المجلس، على إعادة تقييم المشروع المنجز من طرف شركة "نوتريس" المملوكة من الإخوة "كونيناف"، التي طلبت من الحكومة تحمل جزء من أعبائها الناتج عن تقلبات أسعار الصرف خلال السنوات الأخيرة بعد انهيار سعر الدينار والتي بلغت نحو 10 ملايير دينار أو ما يعادل 75 مليون دولار، مما دفع بأحمد أويحيى إلى التوقيع على الموافقة، وأمر البنوك الوطنية المعنية سابقا بتمويل مشروع مصنع "كونيناف". رغم أن الوزير الأول السابق، كان واحدا من المسؤولين المبادرين للدعوة إلى ترشيد النفقات، بعد أن رهن نجاح جهود الدولة المتعلقة بترشيد نفقاتها بنجاعة تسيير البرامج التنموية. وكان المشروع قد استفاد من تمويل مشترك بما تجاوزت قيمته 20 مليار دينار، ضخّته أكبر ثلاثة بنوك في الجزائر والمتمثلة في البنك الوطني الجزائري والقرض الشعبي للصندوق الوطني للتوفير والاحتياط، إلى جانب البنك الجزائري الخارجي. على صعيد آخر، أوضحت ذات المصادر، أن إعادة تقييم المشاريع الذي كلف الخزينة، أصبح لعبة في يد الشركات الخاصة المقربة من النظام البوتفليقي، استعملت في الحصول على أموال إضافية لتمويل العديد من مشاريع، مما يضاف إلى القروض الهائلة الممنوحة لعدد من رجال الأعمال المقربين من شقيق الرئيس. وحسب ذات المصادر، فإن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد، فكانت الشركات المملوكة لأصحاب النفوذ، وبالأخص تلك التي كانت تنشط تحت قبة "الأفسيو"، قد استفادت بقرار تم اتخاذه خلال إحدى اجتماعات الثلاثية (حكومة وباترونا والاتحاد العام للعمال الجزائريين) من إعادة جدولة ديونها، زيادة على مسح الفوائد المترتبة عن قروضها. وتبقى فاتورة إعادة تقييم المشاريع في الجزائر تلتهم آلاف الملايير، تضطر الخزينة العمومية لدفعها سنويا لاستدراك التأخر الملحوظ في إنجاز العديد من المشاريع التي تجاوزت آجال تسليمها نتيجة سوء تسيير أو تقييم أولي لهذه الأخيرة، لتتجاوز قيمة الأموال المخصصة في إطار إعادة تقييم المشاريع ما قيمته 60 مليار دولار، استنادا إلى الأرقام الرسمية المعلن عنها من طرف كل من الوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، والمدعومة باعترافات خليفته المستقيل من المنصب بعد اندلاع الحراك الشعبي، أحمد أويحيى، والذي كشف بدوره عن ضياع ما قيمته 40 مليار دولار، لتخصص الحكومة لسنة 2019 ما قيمته 500 مليار دينار لإعادة تقييم المشاريع. ورغم التقارير السوداء التي يدوّنها سنويا مجلس المحاسبة حول المبالغ الهامة التي تضيّعها الخزينة العمومية في إطار إعادة تقييم المشاريع المعلن عنها، إلا أن الحكومات المتعاقبة لم تحرك ساكنا لتدارك الخسائر المالية المقدرة بملايير الدينارات، لتبقى ملفات مجلس المحاسبة حول سوء تسيير الوزارات والهيئات الرسمية والقطاع العام، على الرغم من خطورتها، حبيسة الأدراج، دون أن يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة للتصحيح والتدارك، لا سيما في ظل شح الموارد المالية الذي تعيشه الجزائر منذ أكثر من أربع سنوات.