أبدى رئيس جبهة العدالة والتنمية، عبد الله جاب الله، في مقابلة مع "الخبر"، تفاؤلا بأن يخرج اللقاء الموسع للمعارضة المرتقب نهاية الشهر الجاري بأرضية موحدة تتضمن موقف المعارضة تطرحه وتدافع عنه في الحوار الوطني. كما يتوقع جاب الله أن تلقى الأرضية التي يجري إعدادها من طرف المشاركين في هذا المسعى القبول والمباركة من طرف الحراك الشعبي، وأكد أن دور الجيش لا يجب أن يتجاوز حدّ المساعدة في تحقيق مطالب الشعب المشروعة وليس المرافقة التي تعني التدخل والمراقبة. لماذا يتأخر حل الأزمة؟
تأخر أو تأخير الحل ينبئ بحجم سيطرة الفكر الاستبدادي الواحدي على النخب النافذة في السلطة، لأن طبيعة الحاكم المستبد أنه يرى بأنه هو صاحب السلطة الأصيل وأن من حقه فعل ما يشاء وما يراه مفيدا نافعا له وليس من حق الشعب أن يحتج عليه أو يحاسبه وإذا حدث وأن اشتد الاحتجاج عندئذ يتنازل عن بعض سلطانه ويستجيب لبعض مطالب المحتجين، منًّا منه وتفضلاً وهكذا دواليك. ولذلك تشتهر في المجتمعات التي تعاني الاستبداد مقولة الحقوق تؤخذ ولا تمنح، أي تؤخذ بالضغط والمطالبة والإصرار والتضحية وان الحاكم دائما لا يقدم شيئا إلا إذا قدّر أن إصراره على الرفض سيلحق به ضررا أكبر، فيقوم بدفع الضرر الأكبر بنوع من التنازل، ويبدو أن النخبة النافذة في البلاد تربت على هذا الفكر الواحدي وهي مؤمنة بمثل هذه القناعة ولذلك تتماطل وتسوف وأملها أن الشعب في نهاية المطاف سوف يصيبه نوع من الملل فيتوقف عن ثورته أو يرضى بأي إصلاح ولو كان محدودا يقدمه له.
تبذلون مساعي لعقد لقاء وطني للمعارضة نهاية الشهر، إلى أين وصلت التحضيرات؟
فكرة عقد لقاء وطني جاءت بهدف توحيد رؤى النخب الوطنية وهي ليست جديدة وطرحت منذ بداية مارس الماضي ضمن منظور واسع للعوامل التي يجب توفيرها للمساعدة على نجاح هذه الثورة الشعبية في تحقيق مطالبها وفهم واحد لطبيعتها والحراك الشعبي الواسع ومطالبه والموقف الذي ينبغي أن تتخذه هذه النخبة. نعتقد أننا تأخرنا نسبيا في الذهاب إلى اللقاء الموسع بسبب وجود بعض المتحفظين على هذا الرأي ورأوا سابقا بعدم جدوى في المضي في هذا المسعى، لكن مع مرور الوقت والنقاش اختمرت الفكرة وتيقن الجميع بضرورة الالتفاف من أجل وضع تصور مشترك موحّد نجمع مختلف الفئات، الأحزاب، المنظمات، النقابات والأسلاك المهنية، المحامين، القضاة الذين تخندقوا، الشعب والطلبة والشخصيات الوطنية والأكاديميين. النجاح في تنظيم ندوة مثل هذه وتوضيح مطالب الحراك الشعبي العادلة وتقوي إصراره من أجل تحقيقها ولا شك أنه يكبر مثل هذه الخطوة ويقدرها ويحسن التعاطي معها.
هناك تخوّف لدى التيار الديمقراطي أو اللائكي منكم أنتم المعارضة الممثلة للتيار الوطني الإسلامي، هل تشعرون بذلك؟
العكس هو الصحيح، الانسجام ظاهرة صحية التيار الوطني الاسلامي هم أكثر حضورا في الساحة الوطنية، فهذا مؤشر قوي يبعث على الافتخار والطمأنينة والثقة وهو ما يعني أن الوحدة الوطنية عندئذ بخير وثورة الشعب ستحظى بدعم قويّ وتؤمنها من كل محاولة التفاف وأن المستقبل من ثمة سيكون أفضل.
ألا يشكل ذلك مصدر قلق لمن يعتبرون أنفسهم أقلية من التيارات الأخرى في الساحة؟
ليست لدينا هذه النظرة. بذلنا جهدنا للتواصل مع كل الفئات بما في ذلك تلك التي تشير إليها، فاتصلنا مع بقية التيارات على مساعدة شعبنا على تحقيق مطالبه لأنه في المحصلة النهائية، المتحرك هو الشعب بمختلف شرائحه، وأنه في نهاية المطاف هو صاحب السيادة والسلطة العليا، بذلنا ما استطعنا من أجل أن ينضموا بجهودهم إلى جهودنا بكل إخلاص ومحبة وكلفنا عدة وفود لأجل دعوتهم وإقناعهم بذلك. وقد عملنا أكثر مما تتصور بما يعاكس هذه القراءة. نحن ليست لدينا هذه النظرة الإقصائية مطلقا ولا نتبناها ولا نؤمن بها.
ما هي نقاط الخلاف مع المتخوفين من التيار الوطني الإسلامي؟
في الواقع ما سمعت شيئا مباشرا منهم، لكن قيل لي إن النقطة الخلافية الوحيدة التي يتمسّكون بها، هي المجلس التأسيسي وبالمرحلة الانتقالية التي يديرها مجلس تأسيسي. ويرون بأن غيرهم لا يتبنون هذه الفكرة. لكن لو حضروا معنا وطرحوه للنقاش وكان الغرض هو الرغبة في الوصول إلى أرشد الآراء الخادمة للثورة ومستقبل الشعب لرحبنا بحضورهم ولناقشناهم وكنا سنتوافق على ما هو أفضل وأنفع على أساس مبدأ لا تعصب لرأي مسبق وإنما التعصب لقوة الحجة التي تحقق المصلحة الراجحة.
وما رأيك في مقترح المجلس التأسيسي؟
لما ننطلق من أن ما يحدث ثورة قل مثيلها في العالم كله، فإن الأصل هو أن المؤسسة العسكرية باعتبارها هي صاحبة القوة والإمكانيات مطالبة بأن تتعاطى بإيجابية مع الثورة وقد دعوناها مرارا لتساعد على تحقيق مطالب الشعب الجزائري، وليس مرافقة المطالب التي تقتضي حق المراقبة وحق التدخل ونحن لم نطلب من الجيش تقديم الحل ورسم الطريق، وما شجعنا على ذلك هو الطابع الشعبي للجيش الجزائري الذي له تاريخ ممتد إلى الثورة التحريرية التي امتزجت فيها دماء الشعب مع الجيش، وهو تاريخ ناصع يجعل من واجب الجيش مساعدة الشعب على تحقيق مطالبه المنصوص عليها كدين في بيان أول نوفمبر المعلق في رقبة جميع الجزائريين شعبا وجيشا، فضلا عن أن الجيوش في كل الثورات السابقة ساعدت على تسليم الحكم للمدنيين بعد تهيئة الظروف القانونية والمادية التي أعانت على تنظيم انتخابات نزيهة. والحذر من المجلس التأسيسي هو أنه من حقه فتح النقاش حول كل شيء وينشئ لنفسه مرجعية جديدة ولا يلتف للمرجعيات السابقة تاريخية (مثل بيان أول نوفمبر) وإيديولويجية (مثل الإسلام) ولغوية. يقولون نحن انتخبنا لنؤسس من جديد لدولة لهذا الشعب والوطن بمرجعيات جديدة وهذا سيدخل البلد في دوامة جدل أو ربما زرع بذور الانشقاقات والصراعات، فضلا عن استغراقه وقتا طويلا لا يمكن أن نأمن فيه عن الانزلاقات المشار إليها، وقلنا لا ضرورة لمثل هذا المقترح على الإطلاق، وأن الذي كان سببا في الأزمات هو الاستبداد الذي هو أساس غياب العدل وحياد الإدارة والحريات المحمية من التعسفات والتجاوزات واحترام ثروة الشعب والتنمية.. الاستبداد أم المصائب.
كثرت المبادرات ولكنها تلتقي في نقطة واحدة هي المرحلة الانتقالية المرفوضة من طرف قيادة الجيش؟
هم قدّموا مفهوما للمرحلة الانتقالية اللفظ براء منه. وهي تعني أنها مرحلة تأتي بين مرحلة مضت رفضها الشعب ومرحلة قادمة يتمنى أن يصل إليها وخلالهما يتم التحضير المادي للذهاب إلى المرحلة الجديدة المنشودة. فلما ارتبط مصطلح "الانتقالي" بمصطلح "التأسيسي" نفرت منها النفوس ورفضت المصطلح نفسه. نحن نرى أنه لا حرج في تغيير المصطلح واستبدال مرحلة انتقالية بمرحلة مؤقتة يتم خلالها التعاون على التحضير القانوني والمادي والبشري الجيد لضمان النجاح في تحقيق مطالب الشعب.
هل يمكن أن تقبل المعارضة ببقاء بن صالح ورحيل بدوي؟
هذا يتأتى عن طريق الحوار، فضاؤنا (فعاليات قوى التغيير) تأسس يوم 20 فبراير ومنذ ذلك اليوم قلنا ولا نمل من القول إننا مع شعبنا، ونساعده على تحقيق مطالبها وتأمينها من محاولات الالتفاف التي هي قائمة على قدم وساق. وقدمنا رؤية باسم فعاليات قوى التغيير لنصرة مطالب الشعب، وعلاقتها مع مضامين المادة السابعة من الدستور، ولكن جاءت بعد ذلك مبادرات أخرى لا تختلف كثيرا عن رؤيتنا إلا في النواحي الشكلية، مثل استبدال المجلس الرئاسي هم قالوا رئيسا وفقط، نحن قلنا حكومة كفاءات وطنية هم قالوا حكومة سياسية أو حكومة وحدة وطنية، وهذه كلها مسائل يسهل التوافق عليها. اليوم نحن بصدد التحضير للقاء وطني من أجل توحيد الرؤى لكي لا تبقى أكثر من اقتراح وأطروحة وعريضة، وتتوحد لتصبح رؤية واحدة وأعتقد بأن الحراك الشعبي سيتفهمها ويتبناها عندئذ، وهي صالحة لتكون أرضية للتحاور مع السلطة والسلطة الأساسية وهي الجيش بشكل مباشر أو مع من يكلفه بذلك بشرط أن يكون الحوار سيدا وجادا ومسؤولا. الحوار هو الذي يحقق التوافق والتقارب ويوجد نقاط التقاطع وحلول لنقاط الاختلاف، لكن أنت لا تستطيع أن تقدم مسبقا تنازلات مثلا تقبل رؤى دون يتم ذلك حول طاولة حوار. وأنا كلي ثقة أنه لو يكون هناك حوار حقيقي سيمكننا التوصل إلى حلول جيدة وناجحة بشرط أن تكون خادمة لمطالب الشعب، ولا تكون ملتفة على مطالبه أو ضارة لها، ولن نكون من الذين يشاركون في أي إضرار بالشعب ولا نوافق عليه على الإطلاق.
وماذا عن الموقف من مشاركة الموالين لحكم بوتفليقة في الحوار القادم، هل أنتم مع اجتثاثهم وإقصائهم؟
طبعا، هذا حق. الثورات تقوم ضد جملة من العوامل، مثل عجز الدساتير القائمة عن حماية الشعب ومصالحه وثروته، ضد عجز القوانين عن بسط العدل وضمان الحقوق والحريات للأفراد، وكانت بوابة لشيوع الظلم والفساد. ثالثا، عجز الوكلاء أو النواب الذين حكموا البلد باسم الشعب عن تحقيق الطموحات على مستوى التنمية والأمن والاستقرار وبسط الحريات والعدل.. فلما تتضافر هذه العوامل ستنجم عنها نقمة وسط الشعب حتى تأتي الشرارة التي تفجره، (مثلما حدث عندنا برفض العهدة الخامسة)، ومن الطبيعي أن نلمس الرفض لمن تسببوا في كل مآسي البلد والشعب في المشاركة في المراحل القادمة وفي إيجاد الحل وهذا من صميم حقه. وبالعكس، إن أشد ما هدّد الثورات في العالم وحرّفها وأضعف فعاليتها وأهدافها هو بقاء نخب النظام القديم في السلطة أو عادت للسلطة بعناوين جديدة لم يتم التفطن لها الشعوب.
هل تتوقع أن يقبل الأفالان مثلا بهذا الرفض؟
هو ليس له الخيار في هذا الأمر. هل يستشار الأفالان أو الأرندي مثلا في ذلك ! هم لا رأي لهم وهذه الثورة قامت ضدهم فكيف يستشارون فيما بعدها.
وفي حال أصرّت السلطة على حضور الأفالان لاعتبارات تاريخية وواجهته السياسية إبان ثورة التحرير؟
أنت تتحدث هنا عن الأفالان التاريخي الذي تجند الجزائريون حوله. الأفالان الحالي حزب وليس جبهة التحرير الوطني، بل استفاد من هذا العنوان الثوري وحكم به البلد وفشل وتسبب في ما حدث فيه وما أصاب الثورة من انتكاسة، ومعه الأرندي وباقي أحزاب الموالاة، لذلك فذهابه هو أبسط ما يتحقق لهذا الشعب وعكس ذلك هو التفاف وخيانة لمطالبه. لكن كلامي ينصرف إلى الرموز والقيادات التي سيرت في الحكم وساهمت في تنفيذ سياساته وتبييض ممارساتها. أما عموم المناضلين فهم كسائر المواطنين ومن حقهم أن يؤسسوا أحزابا أخرى بأسماء أخرى وأن يناضلوا كغيرهم.
هل تصدّق ما يقال عن تدخلات أجنبية فيما يحدث بالجزائر؟
هذا قول صحيح وإن كنت لا أملك الأدلة عليه، لكن القوى الأجنبية لا يمكنها أن تنجح في تنفيذ مخططاتها في أي بلد دون وجود قابلية لذلك داخليا.
ما تعليقك على صور سجن أويحيى وسلال والوزراء؟
الشعب هو صاحب الحق في السلطة والثروة. كنت أتمنى لو كان لي رأي في الموضوع لأشرت إلى البدء بتلبية المطالب السياسية أولا ثم تأتي بعد ذلك فتح هذه الملفات ولا بد من محاسبة المتسببين في الكوارث التي لحقت بالأمة. لكن هم اختاروا الخيار الثاني. أملي أن يقع النجاح في رد الثروة لأصحابها وأن تحترم إجراءات القضاء العادل وتوقع العقوبة على من تسبب في هذه الكوارث بأدلة قائمة وواضحة وبينة، فإذا توفرت هذه الشروط فعندئذ يمكننا القول إن هذه الخطوة هامة ومفيدة لتحصين الشعب من مثل هذه الممارسات.
هل كنت تتوقع أن يحاكم أويحيى وغيره ويدخلون السجن؟
لا يعلم الغيب إلا الله عز وجل. ولكن عقوبة الدنيا قد تخفف عقوبة الآخرة، وعقوبة الآخرة أشد بكثير.
لو كنت محاميا، هل تقبل المرافعة من أجل هؤلاء؟
لا.. الله عز وجل يقول "ولا تكن للخائنين خصيما".. فمن ثبتت إدانته لا يُقبل أن يتم الدفاع عنه. وإذا فعلت ذلك فقد صرت شريكا له. وإذا دافعت عنه باحترام الحق فإنك ستورطه، لأنك ستصبح شاهدا عليه.
لكن توكيل محامين يدافعون عن متهم بريء حتى تثبت إدانته، هو حق دستوري وقانوني؟
هذا حق الإنسان، لكن ما يجب على المحامي الذي يطلب منه ذلك هو أن ينظر في ملف القضية، فإذا كانت الأدلة تثبت التهم على المدعى عليه، فلا يجوز للمحامي الدفاع عنه. المحامي يدافع عن المظلوم والبريء والذي ارتكب خطأ ويريد القضاء مضاعفة العقوبة عليه، إذ أن عمل المحامي في هذه الحالة أن تكون العقوبة متكافئة مع الخطأ وليس أكبر منه. * تنبيه: الحوار صدر في النسخة الورقية ليوم الأربعاء 23 جوان 2019