أوضح الناطق باسم خارجية حكومة الوفاق الوطني، محمد البقلاوي، ان سيطرت الحكومة الشرعية على مناطق جديدة على طول الساحل الغربي للعاصمة طرابلس، يأتي تزامنا مع استكمال استعداداتها التدريبية واللوجستية لدحر قوات خليفة حفتر، التي لا تأبه بالهدنة او بالأوضاع الصحية المتعلقة بجائحة كورونا العالمية حسبه. وأكد محمد البقلاوي في حواره مع "الخبر" أن حكومة الوفاق الوطني تنتظر دعما حقيقيا و قويا من قبل المجتمع الدولي لمواجه الأزمة الصحية و لمحاسبة من وصفهم بمجرمي الحرب الذين يزيدون أزمة القطاع الصحي المهترئ سلفا منذ النظام السابق، مؤكدا في السياق ثقة الحكومة الشرعية في تضامن دول الجوار الليبي خاصة الجزائر و تونس.
أقرت القوى العالمية الكبرى بعجزها عن مواجهة جائحة كورونا، رغم الإمكانيات اللوجستية وتفرغها التام لمواجهة الوباء، فكيف تواجه حكومة الوفاق الوطني الوباء في ظل المعارك المستمرة في محيط العاصمة طرابلس؟ كنا نأمل أن تكون الجهود موحدة لتسخر حكومة الوفاق كل طاقتها نحو مجابهة فيروس كورونا، خاصة بعد تسجيل عدة حالات مؤكدة للجائحة التي تحتاج إلى تحشيد الطاقات والتفاف كل القطاعات المدنية والعسكرية والمتطوعين لصدها، لكن للأسف مليشيات حفتر تستغل الوضع الصحي لتقتل المدنيين وتقطع الكهرباء عن العاصمة طرابلس ومدن أخرى، ونحن أدنا هذا العمل الإجرامي، وعلى البعثة الأممية أيضا أن توثق الجرائم وتساعد حكومة الوفاق في العمل على تقديم الجناة إلى العدالة، خاصة وأن هذه الأفعال ترتقي إلى جرائم حرب وفق كل المواثيق والأعراف الدولية.
إلى أي مدى ليبيا اليوم قادرة على مواجهة الأزمة الصحية؟ الإمكانيات المحلية حقيقة غير كافية خاصة فيما يتعلق بمجابهة وباء كورونا، وللأمانة قطاع الصحة مهترئ، وهذا ما صرح به رئيس المجلس الرئاسي، وللأمانة التاريخية كذلك فإن القطاع منذ النظام السابق لم يكن في عافية أو ذا أولوية بالنسبة للنظام، حيث إن المواطنين الليبيين يعالجون في عدة دول أجنبية، ولم تستطع كل الحكومات بعد ثورة فبراير وضع يدها على الجرح لتصحيح مسار الصحة، وزادت الحروب والعدوان تعميق الأزمة، وقبل أيام فقط قامت مليشيات حفتر بقصف مستشفى الخصرا بالعاصمة طرابلس، وهو ثاني أكبر مستشفى في العاصمة وسقطت الصواريخ على الأعمدة الكهربائية، ما أدى إلى انقطاع الكهرباء عن المستشفى، ولكن يبدو أن المجتمع الدولي لا يأبه لما يحدث في طرابلس من جرائم حرب.
أغلقت أغلب دول العالم حدودها البرية والبحرية والجوية لمواجهة كورونا، هل لديكم مخاوف من أن يؤدي ذلك إلى عرقلة وصول السلع والمساعدات الدولية إلى ليبيا؟ لا شك أن إغلاق حدود الدول سيؤثر ليس على ليبيا فقط بل على دول العالم ككل، لكن قبل أسبوعين أكد وزير الاقتصاد وجود مخزون لا بأس به من السلع التموينية، وقبل أيام وصلت إلى مطار معيتيڤة بعض المساعدات الطبية التي تحاول وزارة الخارجية عبر البعثات الدبلوماسية أن توفرها لوزارة الصحة، ويوم الاثنين أيضا وصلت كذلك شحنة من اسطنبول من الحكومة التركية، وهناك شحنة أخرى في الأيام القادمة ستصل من جمهورية الصين، كذلك ستكون هناك بعض المعدات الطبية من قبل وكالة الطاقة الذرية، حيث قامت سفارتنا في النمسا بالتواصل مع الوكالة واتفقت معها على بعض المعدات التي تحتاجها وزارة الصحة الليبية، خاصة فيما يتعلق بالكشف المبكر عن الفيروس، وبالتالي لا شك أن ليبيا جزء من العالم وتتأثر بما يتأثر به لكن رغم ظروف الحرب لن تتوقف الحياة في طرابلس.
حكومة الوفاق الوطني وسعت سيطرتها على مناطق جديدة خلال الأيام الماضية، لماذا اتخذت هذا التوقيت لبدء تحركاتها؟ التوقيت هو نتاج طبيعي لتطور الأحداث العسكرية والميدانية من تاريخ 27 نوفمبر الماضي، بعد توقيع حكومة الوفاق مذكرتي التفاهم مع الجانب التركي، واحتاجت حكومة الوفاق لبعض الوقت للتدريب والدعم اللوجستي وللحصول على بعض الأسلحة المتطورة والنوعية حتى تتمكن من دحر المليشيات، وهذا ما تم بتحرير المدن التي تقع على طول ساحل الغربي الليبي امتدادا إلى مدينة زوارة ومن تم إلى الحدود التونسية، وهو ما يمثل دفعة استراتيجية قوية للسياسة وللدبلوماسية الليبية لخارجية الوفاق للتعامل مع الملف الليبي في مساحة أكبر من التفاوض لكسب المعركة السياسية إلى جانب المعركة الميدانية العسكرية.
ولكن ألا ترون أن استمرار المعارك في محيط طرابلس يتعارض مع موقف حكومة الوفاق المتعلق بقبول الهدنة المقترحة من قبل الأممالمتحدة في مارس الماضي لمواجهة كورونا؟ استمرار المعارك هو استمرار للعدوان، حيث إن مجرم الحرب خليفة حفتر ومليشياته لا يأبهون لا بالهدنة ولا بالأوضاع الصحية في ظل جائحة كورونا، ويحاولون استثمار الموضوع للحصول على مكاسب ميدانية، كل العالم يشهد أن خليفة حفتر لم يوقع على اتفاق الهدنة في روسيا وفر هاربا من هناك، ولم يلتزم بمخرجات برلين، وبالتالي ليس أمام حكومة الوفاق سوى أن تدافع عن مواطنيها ومنشآتها وشرعيتها، فموضوع الهدنة ليس في قاموس مجرم الحرب الذي أكد المسؤولون الليبيون وآخرهم معالي وزير الداخلية أنه لا تفاوض مع حفتر، لأنه ليس شريكا في السلام ولا يريد السلام وغدر بكل المؤتمرات السياسية التي عقدت من أجل الوصول إلى حل سياسي للأزمة الليبية، وبالتالي من العبث الذهاب بعيدا للتفاوض مع مجرم حرب، مكانه وراء القضبان، ولا بد أن يقدم لمحاكمة عادلة سواء داخل البلاد أو أمام القضاء الدولي، كما طالبت وزارة الخارجية في أكثر من محفل مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية.
وما الذي تنتظره حكومة الوفاق الوطني من دول الجوار الليبي ومن المجتمع الدولي في مواجهة جائحة كورونا؟ قبل أيام كان هناك اتصال بين وزير الخارجية محمد طاهر سيالة ونظيره الجزائري صابري بوقادوم وقبله التونسي نور الدين الري، وهي اتصالات للتنسيق الشامل بين الأجهزة الأمنية والصحية في ظل الحدود المشتركة، كما أنه قبل أيام أعلن رئيس المجلس الرئاسي أن حكومة الوفاق ستقدم دعما للحكومة التونسية، وهذا واجب علينا، فرغم الظروف التي نمر بها نحن على يقين أن امتداداتنا داخل تونسوالجزائر تجعلنا أمام موقف تاريخي لا بد أن نخوضه معا من أجل محاربة الوباء، حتى يتسنى لنا العمل معا، خاصة بعد انتصارنا على مليشيات حفتر، على تنمية وشراكة حقيقية مع دول الجوار التي تجمعنا بها العديد من القواسم المشتركة، ونحن على يقين بأن الجزائروتونس لن تدخرا جهدا في التعاون الكامل مع الحكومة الليبية، وهو ما بينته الحكومة الجزائرية لما أجلت رعاياها من الصين في بداية الأزمة، حيث كان معهم بعض الرعايا الليبيين الذين تم إجلاؤهم بالتنسيق بين الخارجية الليبية والجزائرية، وهو أمر يصب في التعاون الكامل بين البلدين. أما المجتمع الدولي فتنتظر منه حكومة الوفاق أن يتخذ موقفا صارما وتطبيق قرارات مجلس الأمن بتقديم الجناة الذين يقصفون المدنيين ويدمرون المنازل والمنشآت الحيوية ويقطعون الكهرباء، للعدالة لينالوا جزاءهم، وننتظر دعما حقيقيا لحكومة الوفاق الشرعية باعتبارها الحكومة المعترف بها دوليا التي تدعي كل الدول أنها الشرعية ومن تمثل الشعب الليبي في المحافل الدولية.